آخر تحديث: 26 / 12 / 2024م - 1:42 م

الدين التجزيئي

هاشم الصاخن *

يعيش الإنسان في ظل مجموعة من القيم والمبادئ التي تحدد سلوكه وتصرفاته، وفي مقدمتها الالتزام الديني الذي يعد من أهم الركائز التي توجه الإنسان في علاقاته مع الآخرين. إلا أن هناك أحيانا تناقضا غير مبرر بين التزام الشخص بتعاليم دينه وبين الطريقة التي يتعامل بها مع أهله وأقاربه؛ فبينما يظهر الفرد التزاما دينيا قويا في تعاملاته مع المجتمع، نجد أن سلوكه مع عائلته قد يكون بعيدا عن نفس المعايير الأخلاقية والدينية التي كان يتعامل بها، وهذه الموازين غير المتساوية تظهر نوعا من التناقض بين ما يعلنه الفرد من قيم وما يمارسه في الواقع، مما يؤدي إلى آثار سلبية على العلاقات الأسرية والمجتمعية، وفي الوقت ذاته، يوجه القرآن الكريم إلى العدل والإحسان، فيقول سبحانه وتعالى:

﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [النحل: آية 90,91].

وتناقض الشخص في تعاملاته بين أهله وأقاربه من جهة، وبين سائر الناس خارج منزله من جهة أخرى، سواء في العمل أو في المجتمع بشكل عام، هو ظاهرة قد تكون محيرة، وقد يرجع هذا التناقض إلى مجموعة من الأسباب العميقة والمعقدة المرتبطة بالشخصية والمفاهيم الاجتماعية والدينية، ومن الممكن أن تكون أسباب تناقض الشخص في تصرفاته كالتالي:

1- الضغوط الاجتماعية: حيث يشعر الفرد بضغط من المجتمع ليظهر بشكل معين، أو يتصرف بطريقة تختلف عن سلوكه الطبيعي في أسرته.

2- الاختلاف بين القيم: قد تكون القيم والمعتقدات التي تربى عليها الشخص في أسرته مختلفة عن تلك التي يتعامل بها في المجتمع، وهذا الاختلاف يمكن أن يولد تناقضا في سلوكيات الشخص.

3- الخوف من فقدان الوضع الاجتماعي: في بعض الأحيان، قد يخشى الفرد فقدان احترام أو مكانة اجتماعية في حال تمسكه بتصرفاته الطبيعية التي قد تكون غير مقبولة في المجتمع.

4- ضعف الوعي بمبادئ الدين: في بعض الأحيان، يكون الشخص ملتزما دينيا في الظاهر، ولكن قد يفتقر إلى الوعي الكافي بأهمية تطبيق نفس القيم الأخلاقية في حياته اليومية مع أفراد أسرته، فيشعر أن الالتزام الديني يتعلق بالصلاة، والصوم، والحج، والزيارات الدينية، والعبادات العامة، لكنه قد لا يدرك أن حسن المعاملة مع الأهل والأقارب جزء لا يتجزأ من هذا الالتزام.

5- التأثيرات النفسية: يمكن أن تؤدي الضغوط النفسية إلى تراجع مستوى التزام الشخص في محيط أسرته.

قد يترتب على هذا التناقض في سلوك الفرد بين التزامه الديني في المجتمع وتعامله مع أسرته آثار سلبية تؤثر على العلاقات الأسرية، وتتفاوت هذه الآثار في شدتها، وقد تؤدي إلى خلل في التوازن العاطفي والاجتماعي للفرد وأسرته؛ ومن أبرز الأضرار التي يمكن ذكرها:

1- تدهور العلاقات الأسرية: فإن تفضيل الفرد التعامل مع الغرباء باحترام، بينما يتساهل مع أسرته، قد يؤدي إلى شعور بالإهمال والتهميش لدى أفراد الأسرة، مما يؤدي إلى توتر العلاقات وفقدان التفاهم.

2- فقدان الثقة والاحترام: عندما يشعر أفراد الأسرة أن الشخص يعاملهم بشكل أقل احتراما من الآخرين، فإن ذلك يؤدي إلى فقدان التقدير بين الجميع.

وختاما... ينبغي للفرد أن يتذكر أن العدل لا يقتصر على التعامل مع الآخرين في المجتمع فقط، بل يشمل أيضا الأسرة، وعليه إظهار الاحترام، والصدق، والمساواة في المعاملة مع أهله كما يفعل مع الآخرين، وأن يسعى لتحقيق التوازن في سلوكه، مع تطبيق القيم الدينية والأخلاقية في كل تعاملاته، سواء داخل الأسرة أو خارجها، وبهذه الطريقة يعزز الاستقرار العاطفي والنفسي في حياته ويقوي علاقاته الأسرية والمجتمعية.

سيهات