المديرون بين الرقي في التعامل وتحقيق العدالة
في كل صباح يبدأ الملايين من الموظفين يومهم بالذهاب إلى بيئات أعمالهم المتنوعة، وفي كل صباح أيضا غالبا ما يلتقي المديرون بالموظفين في مواقع أعمالهم، حاملين لهم أدوارهم ومهامهم ومسؤولياتهم التي تشكل جزءا أساسيا من عجلة الإنتاج والتنمية للمؤسسة أو الشركة أو الكيان الذي ينتمون إليه، وقد يتفاوت كل منهم في تطلعاته وآماله بين تحقيق إنجازات فردية أو فرية مؤسسية، أو حتى مجرد السعي إلى إنهاء يوم عمل بشكل مرضي، ولكن المفارقة تكمن في أن في كل مؤسسة أو في كل شركة هناك قصة أبطالها ليسوا فقط المديرين أو الموظفين بل العلاقة التي تجمع بينهما فتخيل نفسك أيها الموظف وأنت تدخل لمؤسسة أو شركة أو جمعية خيرية أو نادٍ رياضي أو إلى أي كيان آخر، وأول ما يستقبلك به مديرك بكلمات قاسية كالسيوف تحطم الحماس وتقتل الإبداع بداخلك.
كلمات لا تحمل سوى النقد السلبي والتجاهل والتهميش لتشعر وكأنك في بيئة تنتزع منك الرغبة في العطاء والتميز وتغرس مكانها شعورا بالعجز والرتابة أو أنك تدخل لمؤسسة أو لشركة أو لكيان ويستقبلك مديرها بالابتسامة وعبارات الترحيب ومد الجسور، ويبدأ حديثه بكلمات إيجابية تبني فيك الثقة وتحفزك على الإبداع وتدفعك لتقديم أفضل ما لديك.
نعم.. إن الأمر كله يبدأ بأسلوب المدير في التعامل مع موظفيه، فقد يكون قائدا ملهما يشعل شغف فريقه بالحماس والإبداع والتحفيز لتحقيق الإنجازات العظيمة، أو يكون مديرا متسلطا يطفئ كل بارقة أمل، ويقمع الأفكار الخلاقة بممارساته التسلطية، مما يؤدي إلى تراجع الأداء وانعدام الحافز لدى الموظفين، لذلك فإن العلاقة بين المدير والموظف ليس مجرد تفاعل وظيفي أو روتين يومي أو مجرد تعليمات تعطى وأوامر تنفذ، ولكنها معادلة كيميائية دقيقة، تتفاعل فيها السلطة مع الإنسانية والإدارة مع الثقة والتوجيه مع التمكين والنتائج مع المشاعر، فينتج عنها إما بيئة تزدهر بالثقة والإلهام، أو حفرة عميقة تبتلع الإبداع والابتكار والطموح، ليصبح العمل مجرد فوضى بلا هدف!
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل يكفي اللطف والأسلوب الراقي وحده، لخلق فريق عمل مخلص ومتحمس؟ وهل أن الموظفين يبحثون فقط عن كلمات الشكر والثناء والتعامل الراقي دون الحاجة إلى تحسين ملموس في حياتهم المهنية والمادية؟
هنا أيها القارئ العزيز سنأخذك في رحلة قصيرة إلى عمق العلاقة بين المدير والموظف ونستعرض كيف يجمع المدير بين الرقي في التعامل والقدرة على تحقيق العدالة لفريق العمل وكيف يمكن أن تترجم هذه الأقوال إلى أفعال.
لا شك أن أسلوب التعامل الراقي مع الموظفين هو أساس بيئة العمل الإيجابية والمدير الذي يحترم موظفيه ويعاملهم باحترام يترك تأثيرا نفسيا وإيجابيا كبيرا عليهم مما يجعلهم يشعرون بالراحة والاطمئنان أثناء أداء مهامهم اليومية، ولكن ماذا عن تحسين الأجور والترقيات والمكافآت التي تشكل أهم احتياجات الموظفين المادية والمهنية، والتي هي ليست مجرد رفاهية أو كماليات كما قد يظهر بل هي ضروريات وحقوق أساسية لتحقيق الحياة الكريمة والمستدامة.
صحيح أن بعض المديرين يتميزون بمعاملة راقية لطيفة، فهم يستمعون إلى الموظفين ويظهرون التعاطف والخلق الرفيع، ولكنهم في الحقيقة يفتقرون إلى الجرأة أو القدرة على تحقيق المطالب الحقة للفريق التابع لهم، كالأجر العادل الذي يتناسب مع الجهد المبذول، أو تقديم الترقيات التي تحفز الموظفين على التطور المهني، أو منح المكافآت المادية والمعنوية التي تعكس تقدير المؤسسة لجهودهم.
رسالتي بصفتي دارسا ومختصا في الإدارة وأحد ممارسيها إلى هؤلاء المديرين ”إذا كنت مديرا فتذكر أن احترامك لموظفيك ولطافتك ورقيك ليس سوى جزء من دورك، وموظفوك بحاجة إلى رؤية ثمار جهودهم تتحقق في شكل تحسينات ملموسة ترتقي بحياتهم المهنية والمادية وأن وظيفتك ليست فقط في إدارة العمل، بل في تحسين ظروف العمل وظروف الفريق والدفاع عن حقوقهم“.
المدير الراقي يمكن أن يكون إداريا: وهو الشخص الذي يتسم بمهارات قيادية متميزة كاللباقة والتواصل الفعال والتقدير العالي للموظفين إلى جانب الاهتمام بالعلاقات الإنسانية.
ويمكن أن يكون أكاديميا: وهو الشخص الذي يعرف بقدرته على تطبيق النظريات الإدارية الحديثة كالقيادة التحويلية والذكاء العاطفي وإدارة التنوع بما يضمن تحقيق التوازن بين الأهداف التنظيمية والاحتياجات الفردية للموظفين.
ويمكن أن يكون اجتماعيا وهو الشخص القائد الذي يسعى إلى بناء علاقات إيجابية مع فريقه وأصحاب المصلحة مرتكزا على القيم الإنسانية كالاحترام والتعاون والتواصل الفعال، والحقيقة هي أن الشركات والمؤسسات والكيانات التجارية تحتاج إلى قادة ومديرين راقيين يتمتعون بمجموعة من الصفات والمهارات المتوازنة التي تجمع بين الإداري والأكاديمي والاجتماعي، ومن أبرز الأسباب التي قد تؤدي إلى الفشل في تحقيق المطالب للفريق هي كالتالي:
1- الافتقار إلى الجرأة أو المهارات اللازمة للتفاوض مع الإدارة العليا أو قد يكون بسبب عدم الإدراك للدور الذي يلعبه المدير في تحسين الظروف المادية والمهنية للفريق والحل في تقديري يكمن في التدريب المستمر على المهارات التفاوضية والتواصل الفعال مع الإدارات العليا، إضافة إلى تعزيز ثقافة الحوار الإيجابي وتعلم مهارات التحليل واتخاذ القرار.
2- الخوف من التصعيد أو الصدام: ولذلك عادة ما نلاحظ أن المدير يختار الصمت أو التردد بدلا من الدفاع عن موظفيه مما يجعل الفريق يشعر بالإحباط وفقدان الثقة، حيث يرون أن قائدهم لا يسعى لتحقيق العدالة أو تحسين الظروف وهذه المخاوف إذا لم تعالج فإنها ستؤدي إلى بيئة عمل راكدة وشعور بالمظلومية لدى الموظفين المعنيين.
3- غياب المبادرة: حيث يعتقد الكثير من المدراء في بيئات العمل المختلفة وللأسف الشديد أن دورهم يقتصر فقط على تنفيذ التعليمات وتوجيه الفريق بينما تقع مسؤولية تحسين ظروف العاملين أو فريق العمل وتلبية احتياجاته الأساسية على عاتق الإدارة العليا، وهذا الاعتقاد في الحقيقة يفرغ دور المدير من جوهره القيادي حيث يغفل هؤلاء المديرون عن أهمية المبادرة للدفاع عن حقوق موظفيهم، والمطالبة بتحسين أجورهم أو تقديم مكافآت تعكس جهودهم، وهذا الغياب في الحقيقة ليس مجرد تقصير في الأداء بل هو انعكاس لفهم محدود لدور المدير كوسيط مؤثر بين الموظفين وصانعي القرار.
4- عدم فهم احتياجات الموظفين في بيئة العمل: وهو في الحقيقة يعتبر من أهم الأدوار التي يجب أن يتقنها المدير الناجح فالموظفون ليسوا مجرد أدوات لتنفيذ المهام والمسؤوليات وفقط بل هم أشخاص لديهم احتياجات مادية ونفسية ومهنية تشكل أساس حماسهم وإنتاجيتهم ومع ذلك نجد أن البعض من المديرين يفتقرون إلى القدرة أو الرغبة في فهم تلك الاحتياجات معتقدين أن التقدير اللفظي أو التعامل اللطيف اليومي الحل الكافي للحفاظ على رضا الموظف والفريق معا.
يمكن القول للمدير الراقي بكل شفافية ووضوح أن دورك أيها الأخ الفاضل أو الأخت الفاضلة ليس مجرد حلقة وصل بين الموظفين والإدارة العليا بل هي قيادة ومسؤولية تتطلب الحكمة في اتخاذ القرارات، والعدل والإنصاف في التعامل مع الموظفين فهم أساس نجاح أي مؤسسة وفهم احتياجاتهم والعمل على تحقيقها ليس خيارا بل ضرورة لضمان ولائهم وإبداعهم وإذا كنت مديرا بحق فتذكر " أن القيادة ليست فقط كلمات أو ثناء جميلاً أو أسلوبا راقيا بل هي أفعال حقيقية على الأرض تترجم إلى تحسينات ملموسة فاختر أن تكون أنت هذا القائد اصنع بيئة عمل يفتخر بها.