آخر تحديث: 1 / 12 / 2024م - 4:21 م

زُمام أمورك بيد من؟

كيف يمكن للإنسان اكتشاف حقيقة شخصيته وما يمتلكه من قدرات وإمكانيات تحدد مستواه ومكانته في مواجهة التحديات وصعوبات الحياة؟

المواقف العملية محطات اختبار ومعرّف بواقع الإنسان، وطبيعة تعامله مع أهدافه في الحياة وكيفية مواجهة العراقيل والأخطار ينبئ عن طريقة تفكيره وتحليه بالعقلانية، فكثير من المُدّعيات والصور التي يرسمها البعض لنفسه في تفكيره ويتفوّه بها لمن حوله لا تتوافق مع واقع سلوكياته وتصرفاته، ففي حين أنه يدّعي الحكمة وضبط النفس مثلا تجده يتحوّل إلى مدفع يقذف بحممه تجاه من يتحاور معه، وكذا في بقية المؤهلات والقدرات والصفات لا يمكن وضعها في إطار التقييم الصحيح إلا من خلال محطات اختبار عملية.

أين تكمن خطورة متابعة الأهواء والاستجابة العمياء لها على مستوى علاقاتنا ومحاوراتنا وتصرفاتنا، بما ينعكس على صورة الخسارة الفادحة والإصابة بمقتل في طريق تحقيق ذواتنا في الحياة ومجابهة الصعوبات فيها؟

لا بد من التعريج على المكرمة الإلهية للإنسان بتتويجه بتاج العقل والمعرفة، والذي ينتج عنه اتصاف الفرد بالاتزان الفكري والسلوكي والنفسي، فيزن خطاه وتصرفاته بمعيار الهدفية والنتائج المترتبة وعواقب الأمر وتجنب مواطن الزلل، وهنا الفارق بين البشر في توظيف القدرات الفكرية والقدرة على ضبط النفس من عدمها، ففي لحظات الانفعال والغضب الشديد الناجم عن استفزاز أو إساءة أو طلب تحقيق الانتصار الوهمي على المستوى الأسري أو الاجتماعي، يندفع المرء وبشدة نحو التصرفات الطائشة والمتسرعة والتي يندم على ارتكابها بعد ذلك ندما شديدا، فالرغبات تحركها الأهواء والميول النفسية وما لم تكن هناك غربلة لها عن طريق الفطنة والرشد العقلي - والذي يبصّر صاحبه بعواقبها ومردوداتها - فإنه سيتحرّك حركة التيه والضياع، فكم من خطوة أو تصرف أو علاقة نبذها المرء بسبب أن عقله الواعي عارض حينئذ هواه النفسي ورأى فيها مكمن خطورة وخسارة.

الانقياد بزمام العقل الواعي أو الميول والأهواء النفسية يفرّق بينهما في الاختيار قوة الإرادة والتصرف العملي، فهناك من يملك صورة واضحة للصواب أو الطريق الحق، ولكن الضعف الذي يعاني منه هو الترتيب العملي يخالف ويعاكس تماما ما يعيه ويتفهمه، ولذا فإن تقوية العزيمة والصبر على المتاعب والآلام سيأتي بنتائج ناجحة.

حقيقة الدنيا الفانية وتعقّل وجودنا المؤقت فيها يُعدّ علاجا نافعا في مواجهة الأهواء النفسية، فإن بعض النزوات والشهوات التي تملأ النفس بالوهم والسراب، مردها إلى العمل على أرض الواقع وكأن الإنسان سيخلد ولن يغادر دنياه يوما بلا سابق إنذار، وإلا فإن استحضار حقيقة الرحيل سيغير مجرى حياة الإنسان نحو العقلانية والهدفية وتجنب موارد الخداع النفسي، فمثلا حب المال بنحو يعمي النفس عن كل خير ويصيب المرء بالبخل والجشع، وحب الرئاسة وصدر المجالس مرده إلى طلب الوجاهة الاجتماعية الوهمية، فالحقيقة أن الوجود يثبته العقل الثري بالمعارف والتحلي بالأخلاق الرفيعة والسعي في صنع المعروف، وتسيير المركب الإنساني على ساحل الأمان والصوابية ليست بالمسألة البسيطة بالتأكيد، ولكنها منهجية وتربية ومسار يعمل وفقه الإنسان الطالب لتجنب مزالق الأهواء المتفلّتة.