آخر تحديث: 4 / 12 / 2024م - 11:28 ص

الشركات الأمنية الخاصة بين الواقع والتطلعات

الدكتور جعفر أحمد قيصوم

المقدمة

عندما ترى رجل أمن خاص يقف بثبات أمام بوابة منشأة تجارية أو مدخل مجمع أو مصنع تجاري أو مجمع ترفيهي أو فندق سكني أو عمارة سكنية أو… بزيه الرسمي وملامحه الجادة قد يبدو لك في البداية شخصا قويا لا تهزه الشدائد جاهزا لحماية حياتك وممتلكاتك، واستقبالك، ولكنه خلف هذا الزي البطولي يحمل قصصا مليئة بالمعاناة والتحديات التي قد لا تراها، لكن أثقالها على كتفيه ثقيلة، إنه في كل يوم يقف لساعات طويلة، أحيانا في حرارة الشمس، وأحيانا أخرى في برد الليل، وأحيانا أخرى يتنقل بين موقع وآخر دون أن يكون له وقت محدد وواضح للراحة في أغلب المواقع؛ ومن ثم يعود إلى منزله مرهقا ليجد نفسه مضطرا للعودة بعد بضع ساعات فقط بنفس العزيمة وبنفس الالتزام، ورغم كل هذا العطاء المتواصل والجهد العظيم، تجد العديد من الحراس الأمنيين أن ما يتقاضونه من أجر لا يكفي حتى لتلبية احتياجاتهم الأساسية فضلا عن بيئة العمل السيئة وغير العادلة، والتي تفتقر إلى أبسط الحقوق كعدم وجود حماية وظيفية أو مزايا صحية أو ترقيات وما إلى هنالك، إنهم ليسوا مجرد حراس أمن، بل هم جزء لا يتجزأ من أماننا واستقرارنا، وعندما نضمن لهم حياة كريمة، فإننا نساهم في رفع مستوى الأمن للجميع، ونرسل لهم رسالة واضحة ”نحن نقدر جهودكم، ونؤمن بأن ما تقدمونه يستحق التقدير والاحترام“.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل يمكن لهذه الشركات الأمنية الخاصة، والتي تلعب دورا محوريا هاما في حماية الأفراد والمؤسسات في مملكتنا الحبيبة أن تتجاوز المخاوف والمعاناة اليومية للعاملين وأن تحقق لهم التطلعات الكبيرة التي يعلق عليها المنشآت والمجتمع والعاملين الآمال؟ هذا ما سنتناوله بشي من التفصيل فكونوا معنا.

نظرة عن نشأة وتطور الشركات الأمنية الخاصة

في العصور القديمة، كانت الحماية تنفذ من قبل الحراس الشخصيين والجنود المأجورين في المجتمعات الزراعية لحماية القوافل التجارية والممتلكات الخاصة من السرقة والاعتداء، وفي العصور الوسطى كان الأسياد الإقطاعيون يوظفون حراسا لحماية ممتلكاتهم وقلاعهم، ولكن في القرن التاسع عشر شهد تحولا جذريا في مفهوم الأمن الخاص، وذلك تزامنا مع زيادة التصنيع، والتوسع الحضري فظهرت الحاجة إلى شركات متخصصة تقدم خدمات أمنية محترفة، فكانت شركة «بينكرتون الوطنية» التي تأسست في الولايات المتحدة في عام 1850 م من أوائل الشركات التي قدمت مثل هذه الخدمات، وفي بريطانيا تأسست شركة «فيلق المفوضين» في عام 1859 م والتي قدمت خدمات أمنية وحراسة للمنشآت الخاصة والعامة، وتأسيس هذه الشركات جاء كرد فعل على الاحتياجات الأمنية للمصانع والشركات الكبرى خاصة مع تزايد الإضرابات العمالية والجرائم، وفي العقود الأخيرة شهدت الشركات الأمنية نموا سريعا نتيجة لتزايد التهديدات الأمنية المختلفة مثل الإرهاب، والجريمة المنظمة، وتوسعت لتشمل خدمات حماية البيانات والأنظمة الإلكترونية بالإضافة إلى كل ما ذكر، أما عن نشأة الشركات الأمنية في عصرنا الحالي فجاءت نتيجة لمجموعة من العوامل أهما النمو الاقتصادي والتوسع العمراني الذي تشهده المملكة في القطاع العام والخاص، ولزيادة الاستثمارات الأجنبية التي بحاجة إلى بيئة آمنة للمستثمرين والشركات الدولية، ولزيادة التطور التكنولوجي، والسياحي، ولتنظيم مواسم الحج والعمرة، والمناسبات العالمية وما إلى هنالك.

معنى الشركة في اللغة والاصطلاح

الشركة في اللغة العربية هي الاجتماع والاشتراك في أمر ما، واصل الكلمة يعود إلى الفعل ”شرك“ وهو الاشتراك والتعاون بين شخصين أو أكثر في ملكية شيء أو إدارة مشروع معين. أما اصطلاحا فتعني الكيان القانوني الذي يتكون من مجموعة من الأفراد أو الكيانات التي تتحد لغرض تحقيق أهداف تجارية أو مالية أو صناعية أو اجتماعية،، يتم تنظيم الشركات بموجب قوانين محددة تختلف من بلد إلى آخر، تتمتع بالشخصية القانونية المستقلة.

وبالعودة إلى السؤال يمكن القول بأن معاناة العاملين في الشركات الأمنية الخاصة من المواضيع المتداخلة والمعقدة، والتي تحتاج إلى البحث والدراسة والتحليل لما تعانيه كل من الشركات الأمنية الخاصة كالمنافسة الشديدة، والالتزام بمعايير السلامة والصحة المهنية، والفئة العاملة التي تتطلع إلى تحسين ظروف العمل، وتوفر المزايا مثل التأمين الصحي، والإجازات المدفوع، والأجر العادل، والأدوات والتقنيات اللازمة في بيئة العمل وما إلى هنالك مما تؤثر على الأداء، والحياة اليومية للعاملين، وينعكس بشكل مباشر على المنشأة والمجتمع ككل.

نصائح ومقترحات لتحسين أوضاع الشركات الأمنية الخاصة

أولا: تطبيق اشتراطات بيئة العمل التي أصدرتها وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية في قطاع الحراسات الأمنية، والتي تشمل «توفير زي موحد، والالتزام بمعايير السلامة والصحة المهنية، ومنع العمل لخمس ساعات متواصلة دون فترة راحة.

ثانيا: رفع الحد الأدنى للأجور الذي يبدأ من 4500 لحراس الأمن، كما هو موضح في مبادرة وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية.

ثالثا: توفير التدريب والتطوير المهني لرفع كفاءة العاملين، ولمعرفة التعامل مع المواقف الطارئة أثناء العمل مع منح شهادات معتمدة بعد اجتياز الدورات التدريبية، وكما قال السيد جون سميث: الخبير الأمني لشركة جلوبال سيكيوريتي ”أن تحسين مستوى التدريب، والتطوير المهني للعاملين في الشركات الأمنية الخاصة يعد أحد أهم الخطوات الأساسية لتعزيز كفاءاتهم وقدرتهم على تقديم خدمات أمنية عالية الجودة، ويجب أن تشمل هذه البرامج التدريبية أحدث التقنيات والأساليب الأمنية المتقدمة، وبخصوص تحسين الرواتب والمزايا تقول السيدة تشير ليزا براون المستشارة الأمنية في شركة إنترناشيونال سيكيورتي سيرفيسز“ أن الشركات الأمنية الخاصة بحاجة إلى إعادة النظر في هيكل الرواتب والمزايا الخاصة بموظفيها لجذب الكفاءات العالية، فالرواتب التنافسية والمزايا الجيدة يمكن أن تساهم في استقطاب الكفاءات المتميزة، ورفع مستوى الخدمة المقدمة ".

رابعا: تنظيم حملات توعوية تبرز أهمية دور حراس الأمن في المجتمع؛ مما يرفع من مكانتهم الاجتماعية مع تقديم جوائز وتكريمات للعاملين المتميزين في مناسبات رسمية، وتقديم شهادات تقدير لجهودهم وإخلاصهم في العمل.

وفي النهاية، فإن الشركات الأمنية الخاصة في تقديري ليست مجرد أعمال تهدف إلى الربح، بل هي جزء مهم من حياتنا اليومية لأنها تعمل على حمايتنا، وحفظ الأمن في المجتمع، ولكن نجاحها يعتمد بالدرجة الأولى على احترام وتقدير الرجال الذين يعملون فيها لأنهم يمثلون واجهتها، ويقومون بالدور الحقيقي على الأرض، فالأمن مسؤولية مشتركة، والشركات الأمنية لديها فرصة كبيرة لتكون نموذجا يحتذى به من خلال العمل الجاد، والاهتمام بالناس الذين يعتمدون عليها، فلنتعاون جميعا على دعم هذا التوجه، لأن الأمن ليس ربحاً ورفاهية بل هو أساس الحياة.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
ابو حسن
[ القطيف ]: 23 / 11 / 2024م - 11:31 ص
كلامك ومانقلته عن معاناتهم جزء بسيط ,ولكن حتى تكتمل الصورة لابد من اخذ كلام الشركات او من يمثلهم ؛
السكرتي (البعض) يقبل في العمل بدون تسجيل في التامينات (لاسباب ليس لنا ولا له مصلحه في ذكرها) ؛
لانه أعتقد أنه مستفيد ولكن المستفيد الشركة بعدم دفع مقدار 11% من راتبه للتامبنات مع دفع راتبه !
واغالبيتهم ينامون في الليل دون اخذ جولة على الموقع خصوصا في عز الشتاء ؛
وبعض المؤسسات تشترط وقوف السكرتي طول فترة عمله وممكنه ان يتسند على الجدار فقط خلال ثمان ساعات عمل وفقط يحق له الدخول الى دورة المياه ؛
واذا لم توجد بصمة حضور وانصراف فهذا يعني عدم انضباط ؛
((واحد المستودعات للاطارات تم سرقتها وكانت العملية استغرقت مالايقل عن ثلاث ساعات ؛ وعندما سؤل السكرتي أين كنت قال في الموقع))
شبابا لا يعرف خطورة عمله عندما ينسحب من موقعه او ينام ولو عرف انه سوف يوقف لدى الأمن (الشرطة) عندما يتم سرقت الموقع لما تساهل او لم يقبل العمل هنا ؛
نقلت لكم بعض ما جرى من أمور مهمة عن عمل السكرتي ؛ واتمنى ان تصلكم مباشرة ان لم يتم تنزيل التعليق ؛ لعل وعسى البحث عن حلول منطقية ؛
حيث ان في نظام العدل ان تأخذ منطق او كلام الطرفين قبل اصدار الحكم وانا لست مدافعا عن الشركات ولكنها الحقيقة .