لماذا تفشل المشاريع؟
تخيل أنك قد بدأت مشروعك التجاري بعد سنوات من التخطيط الدقيق والجهد المستمر، استثمرت وقتك، وأموالك التي طالما جمعتها بشق الأنفس، ووضعت كل طاقاتك وأحلامك في هذا المشروع، وتركت كل ما حولك وراءك لتبني حلمك من الصف، وبينما أنت على عتبة النجاح، وأن كل شيء يسير على ما يرام، وفجأة وبدون سابق إنذار تجد حلمك ينهار أمام عينيك، ويتحطم كل شيء كنت قد بنيته بعرق جبينك، لتجد نفسك وسط فوضى لا تعرف من أين تبدأ، لتتساءل بينك وبين نفسك كيف حدث هذا؟ وكيف تحولت البدايات المبشرة إلى خيبة أمل تلوح في الأفق؟ وهل كانت هناك إشارات لم تكن قد لاحظتها من قبل؟ أو ربما كانت هناك أخطاء خفية بدأت تنمو ببطء، وتراكمت حتى أوصلتك إلى هذه النهاية؟
هذا ما سنعرفه أو نكتشفه معا في هذا المقال، وكيف يمكن لنا تحويل هذه الأخطاء إلى فرص ملهمة تفتح لنا أبواب النجاح من خلال القصص الحقيقية عن الشركات التي كانت تعتبر رائدة في عملها، ثم فشلت وتعلمت من أخطائها، وهل يا ترى ستكون أنت من بين الذين يتعلمون من أخطاء الآخرين، أم أنك ستقع في نفس الفخاخ؟
يقول الباحث الدكتور هيثم علي حجازي مؤلف كتاب مبادئ إدارة المشروعات وتحليل الجدوى، أن تاريخ إدارة المشروعات يعود إلى مرحلة موغلة القدم من تاريخ البشرية، ولعل المدقق في قصة النبي نوح على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام، وبنائه سفينته سيجد فيها ما يمكن أن يطلق عليه مشروع، إذا خطط بعناية، ونفذ بعناية، وجمع من كل زوجين اثنين على وجه الأرض بعناية، كما قام بتأمين الماء، والطعام و… ولذلك يمكن القول بتعريف المشروع على أنه جهد مؤقت يتم القيام به لتوليد منتج متميز أو خدمة متميزة، ويتخذ الصفة المؤقتة لأن له بداية محددة، ونهاية محددة، ويتصف بالتفرد والتميز لأنه يختلف عن المنتجات أو الخدمات الأخرى، ومن الأمثلة على ذلك في واقعنا الحالي " إنشاء جسر أو إنشاء نفق أو شارع جديد أو تغيير وتطوير مدينة، أو تأسيس محطة… إلى ما هنالك.
صحيح أن المشاريع الكبيرة قد تبدأ بأحلام، وطموحات واعدة، ولكن ليس من المؤكد أن ما يراه الرائي في نومه قد يتحقق في عالم الواقع أو بمجرد الرؤى والأفكار، فالكثير من المشاريع قد تصطدم بتحديات غير متوقعة تجعل طريق النجاح مليئا بالعقبات والعراقيل، إذ ليس كل مشروع يمكن أن يكتب له الوصول إلى أهدافه أو غاياته بل الكثير منها قد تواجهه العديد من العراقيل الداخلية والخارجية التي تعرقل تقدمه، ولعل من أبرز وأهم هذه العراقيل ما يسمى اليوم بوهم النجاح أو «التصور الخاطئ» أي المبالغة في تقدير احتمالية تحقيق النجاح دون مراعاة للعوامل الحقيقية التي تؤثر فيه ومثال على ذلك مشاريع البيع المتزايدة عبر الإنترنت التي تركز على بيع المنتجات أو السلع التقليدية، حيث يعتقد أن الناس سيشترون المنتجات تلقائيا بسبب وجودها عبر الإنترنت، علاوة على الدراسات والإحصائيات التي أشارت إلى أن وهم النجاح يمكن أن يكون السبب الرئيسي والمهم وراء فشل العديد من المشاريع والشركات الناشئة، ومن تلك الدراسات ما أجرته جامعة هارفارد التي أظهرت بأن حوالي 75% من الشركات الناشئة تفشل بسبب وهم النجاح، حيث يعتقد المؤسسون أن نجاحهم محقق مسبقا لا محالة، إضافة إلى العوامل المهمة الأخرى كعدم دراسة السوق بشكل دقيق قبل إطلاق المشروع، والتخطيط السيئ للتكاليف، وعدم إدارة المدخلات والمخرجات، والتوقعات الغير واقعية لحجم الأرباح أو سرعة العوائد، وما إلى هنالك من الأسباب والمبررات.
وفي الختام يمكننا القول للقارئ عموما أو للمهتم بهذا الشأن، أو من يحلم بالمشاريع أو من يتبنى المشاريع بالفعل إن فشل المشاريع لا يعني نهاية الطريق، بل يعني البداية الجديدة للتعلم والنمو، والفرصة الحقيقية لإعادة التأسيس والبناء، والتجربة الغنية التي يمكن أن تحمل لك دروسا قيمة تساهم في تشكيل المستقبل المزهر.
ولتجنب التحديات في عالم الأعمال التي أصابت العديد من الشركات العملاقة لأخرى كشركة نوكيا، وشركة كوداك وبلاك بيري وغيرها من الشركات التي كانت رموزا في وقتها يتوجب على أصحاب المؤسسات أو الشركات وبالخصوص الصغيرة والمتوسطة منها التي تسعى لتحقيق النجاح، أن تكون مستعدة لمواجهة المخاطر والتحديات، سواء كانت داخلية أو خارجية، وأن تتبنى استراتيجيات استباقية للتنبؤ بالتحديات والفرص المستقبلية كشركة تسلا التي بدأت بمشاكل كبيرة، لكنها حولت تلك التحديات إلى فرص لتطوير تقنيات جديدة، وأصبحت الآن رائدة في صناعة السيارات الكهربائية، وكذلك شركة آبل التي كانت على حافة الانهيار، ولكن بسبب ابتكارها لمنتج مثل iPhone أعاد لها مكانتها في السوق وجعلها تصل إلى القمة وتتربع عليها.
إذًا المشاريع تفشل لأن بعضها لا تستفيد من الأخطاء، ولا تتعلم منها، لا تمتلك الجرأة لتغيير استراتيجياتها، أما الشركات التي تلتقط الفرص في قلب الأزمات، وتتمتع بالنظرة الإيجابية، والمرونة، وتستثمر في تجاربها هي التي تفتح لنفسها أبواب النجاح، وتستمر في النمو، رغم كل الصعوبات والتحديات