الاعتراف
الاعتراف هو الإقرار بالخطأ، الأمر الذي يريح من تأنيب الضمير. وهو مصطلح متداول قانونيا وأخلاقيا ودينيا... والمهم في الاعتراف، حتى يكون أخلاقيا، أن يكون طوعيا، ومعلنا، وأقصد هنا بالاعتراف، لا ما يتعلق بالخطأ، بل الاعتراف باليد التي تمتد إليك كشجرة وارفة بصنيع ما «وأقصد بالصنيع، تحديدا، جمع كتاباتي المتناثرة فقط، لا شيئا آخر» وأول ما يجب عليّ تقديمه من الشكر يخص السيدة الفاضلة عزيزة فتح الله أم وديع القشعمي، فلها الفضل الأول في ذلك الجمع، وما بتعلق به من تعليقات. أما الثاني فهو الدكتور محمد الشقاق، فقد تحمل، ولا يزال، عبئا في نشر ما أكتب. أما الثالث، فهو الشاعر والترجم أحمد العلي، الذي سهر طويلا في تتبع المقالات في أرشيف أكثر من جريدة، حتى أخرج عدة كتب، كانت لولاه في كهف النسيان.
في ثقافتنا شاع هذا التوع من الاعتراف، قديما، وبخاصة بين الأصدقاء في مجال العتب. وهو لا يزال أسلوبا أخلاقيا للسلوك بينهم. أما الاعتراف بالخطأ «ولا يريح الضمير سواه» فهو نادر «طوعيا» في أفقنا الثقافي، أما في الغرب فهو محصور في الجانب الديني، وكأن الضمير ينعدم في سواه بالنسبة لسلوكهم، الذي يصبح همجيا تجاه الشعوب الأخرى.
كتب التراث زاخرة بهذا اللون من العتب. ومن أجمل ما تحلو قراءته ما حدث بين أبي حنيفة النعمان والشاعر حماد عجرد: لقد كان أبو حنيفة، في صباه، لاهيا، ينادمه حماد في الليالي الملاح، فلما غيّر اتجاه حياته إلى الدين والنسك، وحتى يستريح من عبء تذكر حماد ولياليه، راح يسبه ويدين سلوكه، فرجاه حماد أن يكف عن ذلك، ولكنه استمر على كيل الذم، وهنا قال فيه حماد ما يلي: «إن كان نسكك لا يتم / بغير شتمي وانتقاصي / فاقعد وقم بي حيث شئت / لدى الأداني والأقاصي / فلطالما زكيتني / وأنا المقيم على المعاصي / أيام تأخذها وتعطي / في أباريق الرصاص» عند ذلك قفل أبو حنيفة فمه.
هل سمعت حبيبا وحبيبة يتعاتبان؟ ترى: ما الحرارة التي أحسست بلهبها في كلماتهما؟ أم أنك «أطرش بالزفة؟» قٌل لي بصراحة، ولا تخش أن أخبر أحدا بأنك تفتقد الحس الجمالي في اللغة، إذا خرجت من سجنها التداولي؟