آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 11:52 ص

الشيخوخةُ الإدارية في المؤسسات الخاصة وتأثيرها على الأداء المؤسسي وبيئة العمل

يقول أصحاب الخبرة ”أن التاجر الناجح هو الذي يحسب حساب الربح والخسارة في كل صفقة تجارية“.

أعتقد أن ما يُطلق عليه اليوم ”بالشيخوخةُ الإدارية“ ليس مجرد مصطلح ظهر حديثًا في الأوساط الإدارية، أو أدبيات القيادة والتنظيم بل هي مشكلة تواجه العديد من المؤسسات، حيث يؤدي التمسك بالأساليب القديمة إلى تراجع الأداء وغياب الابتكار، فهل يا ترى يمكن للمؤسسات أو الشركات أن تزدهر أو تتطور في بيئة عمل جامدة أو بيئة عمل بيروقراطية تتشبث بأساليب تقليدية في عالمٍ سريعٍ يتغير بوتيرة غير مسبوقة!!

ثم ما الذي سيحدث عندما تُصبح إدارة المؤسسة أو الشركات الخاصة عالقة في الماضي دون تقدم، وما السبيل لتحويل هذا الركود إلى حركة ديناميكية تجلب معها النجاح والتقدم؟

 في هذا المقال  سنكتشف كيف أن الشيخوخة الإدارية تؤثر على الأداء التنظيمي للمؤسسات، وكيف يمكن للمؤسسات إعادة الحيوية إلى عملياتها، والتغلب على العوائق التي يفرضها الجمود الإداري.

أولا: ما هو مفهوم الشيخوخةُ الإدارية؟

هناك من عرف الشيخوخة الإدارية على أنها التدهور التدريجي في الأداء الإداري، والقدرة على اتخاذ القرارات والابتكار نتيجة للجمود في أساليب العمل، وعدم مواكبة التطورات الحديثة.

وهناك من عرفها بأنها الحالة التي يصل فيها الهيكل الإداري إلى مرحلة يصبح فيها غير قادر على التجديد، والتكيف مع المتغيرات الداخلية والخارجية للمؤسسة مما يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية وركود الكفاءات، بل وتراجع القدرة على حل المشكلات بكفاءة عالية،

وهناك من عرفها بأنها حالة من الجمود المؤسسي، حيث يفتقد القادة القدامى الحافز والقدرة على مواكبة الابتكار والتطور في أساليب العمل، مما يجعل المنظمة أكثر عرضة للركود والتراجع في الأداء،

وهناك من قال إنها تُشير إلى الركود المؤسسي الذي يحدث عندما تعتمد المنظمات على نمط إداري تقليدي، أو قادة قدامى؛ مما يحدّ من القدرة على التكيف، ويؤدي إلى تراكم الروتين وغياب الإبداع.

وكل هذه التعاريف تتفق في الإشارة إلى أن الشيخوخة الإدارية تنتج عن الجمود في الأساليب الإدارية، والتقيد بالنمط التقليدي إلى جانب تراجع قدرة القيادة على التجديد والإبداع.

ثانيًا: تأثير الشيخوخة الإدارية على الأداء المؤسسي وبيئة العمل

فقد تمثل الشيخوخةُ الإدارية تقاطعًا بين الخبرةُ التقليدية والتغيرات المستمرةُ التي تتطلب مرونة وابتكارًا، وعلى الرغم من أن التجارب العميقة قد تسهم في تحقيق الاستقرار والتنظيم، إلا أن القيادات المتحفظة قد تفتقر إلى القدرة على تحفيز الفرق أو استيعاب أفكار جديدة؛ مما ينعكس سلبًا على الأداء المؤسسي وبيئة العمل، ويمكن تلخيص هذه التأثيرات في النقاط التالي: -

1 - إن القادة ذوو الخبرة في المؤسسة قد يكون لديهم فهم عميق لعمليات المنظمة والتحديات التي تواجهها، ولكن قد يؤدي الاعتماد على الطرق التقليدية والتجارب السابقة التي يعتمد عليها القادة القدامى إلى عدم المرونة في التكيف مع التغيرات السريعة في السوق أو الابتكارات الجديدة.

2 - يمكن للقادة ذوي الخبرة أن يكونوا أكثر قدرة على إدارة التغيرات الكبيرة مستفيدين من معرفتهم بالمواقف السابقة، ومن الممكن كذلك أن تظهر مقاومة أكبر للتغيير من قبل القادة المسنين؛ مما يؤثر سلبًا على قدرة المؤسسة على التكيف مع التغيرات السريعة في السوق.

3 - القادة ذوو الخبرة غالبًا ما يمتلكون مهارات تواصل متطورة يسهل بناء علاقات قوية داخل الفريق، ولكن يمكن أن تكون هناك فجوة في التواصل بين الأجيال المختلفة حيث قد يجد القادة المسنون صعوبة في فهم احتياجات وأفكار الأجيال الشابة.

4 - قد تسهم الخبرة في تعزيز ثقافة مؤسسية قوية قائمة على القيم والمبادئ المشتركة، ولكن قد تؤدي الشيخوخة الإدارية إلى ثقافة عمل مغلقة أو متحفظة؛ مما يمنع الابتكار أو تبني أفكار جديدة.

ولذا من المهم أن تسعى المؤسسات الخاصة إلى تحقيق التوازن بين الاستفادة من الخبرات القديمة، واحتضان الابتكار والمرونة.

ثالثًا: الأسباب التي تؤثر سلبًا على الأداء المؤسسي وبيئة العمل

لقد قُلنا بأن الشيخوخة الإدارية ليست مجرد مصطلح ظهر حديثًا في الوسط الإداري أو حتى مصطلح يرتبط بالتقدم في العمر إنما هي مشكلة حقيقية قد تصيب المؤسسات الخاصة أو الشركات، فتؤثر على أدائها وفاعليتها، وتجعلها عاجزة عن التطور والتكيف مع المتغيرات المتسارعة، وإن فهم أسبابها، وتأثيرها على الأداء المؤسسي أصبح أمرا حيويًا لضمان بقاء المؤسسات في قلب المنافسة، ومن أبرز أسبابها التالي:

1 - الاعتماد على الخبرات التقليدية أو الاستمرار في العمل بالأساليب والتقنيات القديمة دون تحديث أو تدريب، كالمؤسسات أو الشركات التي تعتمد على أنظمة تسجيل بيانات يدوية أو برامج قديمة بدل من التحول إلى أنظمة حديثة على سبيل المثال.

2 - عدم وجود برامج وخطط واضحة لنقل المعرفة والخبرة إلى الموظفين الجدد؛ مما يؤدي بالتالي إلى حدوث فجوة معرفية تعمق مشكلة الشيخوخة الإدارية في بعض المؤسسات أو الشركات الخاصة.

3 - عدم الاستفادة من التكنولوجيا والتطوير الرقمي بحجة ارتفاع التكاليف؛ مما يؤدي في النهاية إلى زيادة الاعتماد على العمليات اليدوية، وزيادة احتمال حدوث الأخطاء البشرية، واستهلاك المزيد من الوقت والجهد؛ مما ينعكس سلبًا على بطء سير العمل والإنتاج.

4 - مقاومة التغيير داخل المؤسسة، وهي حالة من الرفض أو المعارضة التي يبديها القادة ذوو الخبرة تجاه التغييرات الجديدة التي تحتاجها المؤسسات أو الشركات الخاصة، سواء كانت تتعلق بالسياسات أو الهيكل التنظيمي أو أساليب العمل خوفًا من الإخلال بالنظام الحالي، فمثلًا قد تمتنع بعض المؤسسات أو الشركات عن تطبيق نظام العمل عن بُعد حتى في حالات الأزمات مثل جائحة كورونا، على الرغم من التحديات التي أثبتت ضرورة التغيير.

5 - الافتقار إلى نظام التقييم الدوري للأداء والتغذية الراجعة؛ مما يجعلها غير قادرة على معرفة نقاط الضعف والعمل على تحسينها بفعالية وما إلى هنالك.

رابعًا: حلول لمواجه الشيخوخة الإدارية

مع التقدم في العمر، وزيادة الخبرات قد يصبح بعض القادة أقل قدرة على التفاعل مع الابتكارات التكنولوجية أو الأساليب الحديثة في الإدارة، في المقابل يتطلع الجيل الجديد من الموظفين إلى بيئة عمل تشجع على الإبداع والتجديد؛ مما يجعل من الضروري إنشاء توازن بين الخبرة والمعرفة الجديدة.

ولذلك يجب على المؤسسات الخاصة التفكير بعمق في كيفية معالجة الشيخوخة الإدارية من خلال تبني استراتيجيات مبتكرة تهدف إلى تعزيز التعاون بين الأجيال المختلفة، ودعم الابتكار المستدام، وفي هذا الإطار سنستعرض باختصار مجموعة من الحلول البديلة التي يمكن أن تساعد المؤسسات على التغلب على التحديات المرتبطة بالشيخوخة الإدارية؛ مما يضمن استمرارية النجاح والنمو في بيئة عمل ديناميكية ومتغيرة، ومنها على سبيل المثال.

الاستفادة من التكنولوجيا الرقمية مثل الذكاء الاصطناعي، وتطوير نظام عمل مرن يتيح للموظفين من جميع الأعمار.

العمل عن بُعد، وإنشاء مراكز داخل المؤسسات تشجع على التفكير الابتكاري وتطوير حلول جديدة لمشاكل العمل، وإنشاء برامج توجيه تربط بين الموظفين ذوي الخبرة والموظفين الجدد أو الشباب.

خامسًا: وأخيرًا يُعدّ التخلص من الشيخوخة الإدارية ضرورة هامة لاستدامة نجاح المؤسسات أو الشركات الخاصة، فالاستثمار في القيادة المرنة والابتكار يمكن أن يصنع فارقًا كبيرًا وهائلًا في تعزيز التنافسية، وإن إدراك المؤسسات أو الشركات الخاصة لأهمية إعادة النظر في أساليب إداراتها يمثل الخطوة الحيوية الهامة نحو تحقيق البيئة التنظيمية الأكثر حيوية وفعالية.

وآخر دعوانا أن الحمد للهِ رب العالمين.