آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 1:42 م

عن معنى الاسم «مَدَنْ»

طاهر بن محمد المدن *

مقدمة

المَدَنْ، هذا الاسم الذي عُلمت منذ الصغر أنه اسم عائلتي، ولم أكن أعرف حينها معناه أو فحواه، ولم يستثرني فضول الصغار في ذلك الزمن للسؤال عن معناه، ولكن وبعد فترة طويلة من الزمن، عرفت أنه اسم علم مذكر شائعٌ في واحة القطيف، ويتسمى به كثير من رجال الواحة، وعلمت أيضًا لاحقًا أن اسم مَدَنْ، هو اسم جدي الخامس، وهو الجد الجامع لعائلة المدن في الجارودية، وهو الشيخ مَدَنْ بن الشيخ حسن بن الشيخ سعيد بن الشيخ عبدالله بن الشيخ ناصر بن الشيخ محمد الجارودي. [1] 

معنى الاسم

أما عن معنى الاسم فقد كتب الباحث والكاتب في التراث السيد شبر بن علوي القصاب عنه فقال: ”ومن الأسماء التي من هذا الباب «مَدَنْ»، ويظهر من لفظه أنه من الأسماء التي جاءت على صورة الأفعال“ ونقل من لسان العرب عن الاسم بعدها: "فقد جاء في لسان العرب: «مَدَنَ بالمكان»: أقامَ بِهِ، فِعْلٌ مُمَات، ومنه المدينة، وهي: «فعيلة»، و«مُدْنٍ» و«مُدُن» بالتخفيف والتثقيل؛ و«فلان مدَّنَ بالمدائن»: كما يقال: «مَصَّرَ بالأمصار». و«مَدْيَنُ»: اسم أعجمي، وإن اشتققته من العربية فالياء زائدة، وقد يكون مَفعَلًا وهو أَظهر. و«مَدْيَنُ»: اسم قرية شعيب، على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام عن: «لسان العرب»، «مادة: مدن».

وقد يُقال «مَدَان» من أولاد نبي الله إبراهيم الخليل ، من زوجته «بقنطوراء» أو «بقيطوراء» التي تزوجتها بعد وفاة زوجته سارة، وأنجبت له ولده المذكور مع خمسة آخرين، وهم: «مرق»، أو «مرن»، و«نفس»، أو «بقس»، و«مدين»، و«سنان»، و«سرح»، أو «سوح» مروج الذهب ومعادن الجوهر. علي بن الحسين المسعودي تحقيق: محمد محيي الدين عبدالحميد، مطبعة دار السعادة - مصر، الطبعة الرابعة، 1384 هـ 1/46". [2] 

ومعنى الجملة التي ذكرها ابن منظور في لسان العرب ألا وهي ”الفِعل المُمَات“ هو أن فعل مَدَنْ، فعلٌ تُرك استعماله، فجملة ”مُمات من اللفظ“ تعني: ما ترك استعماله [3] ، إضافة للكلام المنقول آنفًا من لسان العرب يوضحُ ابن منظور أيضًا أن كلمة مدينة اشتُقت من الفعل مَدَنْ فقال: ”والمَدِينة: الحِصْنُ يُبْنَى فِي أُصطُمَّةِ الأَرض، مُشْتَقٌّ مِنْ ذَلِكَ. وكلُّ أَرض يُبْنَى بِهَا حِصْنٌ فِي أُصطُمَّتِها فَهِيَ مَدِينَةٌ، وَالنِّسْبَةُ إِليها مَدِينيّ، وَالْجَمْعُ مَدائنُ ومُدُنٌ.“ [4] 

وللفعل مَدَنْ معنًى آخر وهو وصول الرجل للمدينة ”ومَدَنَ الرجلُ إِذا أَتى الْمَدِينَةِ.“ وقد قال الأخطل في قصيدةٍ:

رَبَتْ ورَبا فِي كَرْمِها ابنُ مَدِينةٍ... يَظَلُّ عَلَى مِسْحاته يتَرَكَّلُ

ابنُ مَدِينةٍ أَي الْعَالِمُ بأَمرها. [5] 

نقاش عن ما ورد في مروج الذهب

قد جاء آنفًا في مروج الذهب أن مَدَان هو اسم لابن من أبناء نبي الله إبراهيم لكن ورد نطق ثان للاسم فقد وجدت أنه ورد في كتاب تاج العروس اسم لابن نبي الله إبراهيم وهو مَدْيَنْ تحت مادة «مَدَنَ»: ”ومَدْيَنُ: «قَرْيةُ شُعَيْب، عَلَيْهِ السّلام»، نُسِبَ إِلَى مَدْيَنِ بنِ إبراهيمَ، عَلَيْهِ السَّلامِ، والنِّسْبَةُ إِلَيْهَا مَدينيٌّ.“ [6]  وهذا أوقفني قليلًا عن الاستنتاج الأولي الذي بنيته أن مَدَنْ أتى من مَدَان وأن الألف في مَدَان حُذفت للتخفيف مع الزمن كما

حذفت حروف في لهجتنا المحلية في القطيف في كلمات أُخر مثل كلمة ليش وأصلها لأي شيء [7] ، ولكنني بعد بحثي وجدت في تاريخ الطبري أن مَدَانْ ومَدْيَن ليسا شخصًا واحدًا، بل لم يذكر مدان باسم مدان بل باسم مدن بنفس الحروف التي يُكوِّنها اسم مدن الذي نعرفه اليوم، وهذا هو النص من تاريخ الطبري: ”ومدن، ومدين، ويقسان، وزمران، واسبق، وسوح، وأمهم قنطورا بنت مقطور من العرب العاربة“ [8] .

وهذا يوصلني لاستنتاجي أن مدن سواء كان مَدْيَن وقد حُذفت الياء بعد اشتقاقه أو مَدَان بعد حذف الألف للتخفيف أو مَدَنْ بدون الألف هو اسم لابن نبي الله إبراهيم وقد سُمي بهذا الاسم غالبًا تبعًا له والله أعلم، وقد تسمى العديد من أبناء المنطقة بأسماء تاريخية ترجع للزمن القديم مثل يوشع وتنتمي لهذا الاسم عائلة اليوشع بمياس والعوامية وأم الجزم والدبابية وأيضًا هناك ذا النون وتوجد عائلة في أم الحمام باسم ذا النون.

العائلات التي تحمل اسم المدن أو آل مدن

وقد حملت عائلات عديدة اسم العلم مَدَنْ في واحة القطيف ولا تربطهم صلة نسبية ببعضهم البعض ففي الجارودية هناك عائلة المدن أو آل مدن ولهم بنو عمومة باسم الجارودي وهما الملا مكي والملا سليم ابنا قاسم بن أحمد بن الشيخ مدن وذريتهما، وجميع عائلة المدن أو آل مدن في الجارودية بنو عمومة عدا أسرة ترجع لعائلة البابلي، وهناك المدن أو آل مدن في صفوى وهناك المدن أو آل مدن في العوامية التي ترجع لعائلة أبو الشلب والذي يرجعون لمدن بن أحمد بن علي

«الملقب بأبو الشلب» ولمدن ثلاثة أبناء وهم حسن الذي انتقل لخارج العوامية ولا أعلم من وأين تقطن ذريته الآن، وعلي ومحمد، وبنو عمومة آل مدن في العوامية هم آل قريريص الذي يرجعون لعبدالله الملقب بقريريص بن علي بن علي الملقب بأبو الشلب، وآل ياسين الذي يرجعون لياسين بن علي بن علي أخو عبدالله، وآل أيوب الذي يرجعون لأيوب بن علي بن علي أخو عبدالله وياسين.

وهناك المدن في القديح والمدن في البحاري ولهم بنو عمومة في البستان والوسادة وهناك المدن في القلعة وهناك المدن في مياس الذي يعودون للمدن في صفوى وهناك المدن أو آل مدن في الدبابية ولهم بنو عمومة في أم الجزم وبديعة البصري وهناك المدن في الكويكب وهناك آل مدن في أم الحمام الذي يرجعون لآل عباس [9]  وهناك المدن أو آل مدن في سيهات ولهم بنو عمومة باسم الحجي في القلعة وهناك سادة المدن في سيهات أيضًا. [10] 

وحسب تتبعي انحصر تواجد هذا الاسم في واحة القطيف وفي البحرين والعراق أيضًا، فلم أجد له تواجدًا في غيرهم، فتوجد عائلة المدن في البصرة التي تنتمي عبدالقيس والتي تنتمي لعشائر ربيعة بالعراق، وأما في البحرين فالمناطق التي تنتمي إليها عائلات تحمل اسم «مدن» أو «آل مدن» في البحرين: النويدرات والبلاد القديم والدير والمنامة والمعامير والدراز والحجر وباربار والديه وجدحفص.

[1]  والذي قد جاء ذكره وذكر نسبه في كتاب الأزهار الأرجية في الآثار الفرجية للعلامة الشيخ فرج العمران - أعلى الله مقامه - وقد ورد ذكره أيضًا في مقدمة كتاب بشرى المذنبين وإنذار الصديقين الذي ألفه الشيخ ناصر بن الشيخ محمد الجارودي والذي كتب مقدمته الشيخ علي بن الشيخ منصور المرهون من أهالي أم الحمام، وقد طُبع الكتاب، عام 1955 م على نفقة حفيديه وهما الملا سليم والملا عبدالله ابنا قاسم بن أحمد بن الشيخ مَدَنْ، وقد قلب الشيخ علي المرهون بين الشيخين سعيد وعبدالله فقدم عبدالله على سعيد فَكَتَبَ: ”الشيخ عبدالله بن الشيخ سعيد“، وهذا خطأ في النقل من المصدر الأصلي، وهو الأزهار للشيخ فرج العمران لوجود مخطوطة أخرى كتب فيها الملا سليم نسبه بيده فتبين أن هذا خطأ، ولكون كتاب الأزهار هو الأقدم والأضبط.

[2]  أسماء الأشخاص المتعارفة في واحة القطيف، السيد شبر علوي القصاب، تحت الطبع.

[3]  معجم الرائد، جبران مسعود، دار العلم للملايين، الطبعة السابعة 1992 م، الصفحة 769.

[4]  لسان العرب، ابن منظور، دار صادر - بيروت، الطبعة الثالثة 1414 هـ، الجزء 13 الصفحة 402.

[5]  لسان العرب، ابن منظور، دار صادر - بيروت، الطبعة الثالثة 1414 هـ، الجزء 13 الصفحة 403.

[6]  تاج العروس من جواهر القاموس، السيد محمد مرتضى الحسيني الزبيدي، الجزء 36 الصفحة 157.

[7]  اللهجات المحلية في الخليج اللهجة في القطيف مثالًا 6، السيد شبر علوي القصاب، مجلة الواحة، العدد 27.

[8]  تاريخ الطبري، محمد بن جرير الطبري، دار المعارف بمصر، الطبعة الثانية 1387 هـ - 1967 م، الجزء 1 الصفحة 311.

[9]  أم الحمام، الشيخ عبدالحميد آل مرهون، الصفحة 142.

[10]  معجم عائلات القطيف بالترتيب المناطقي الأبجدي، طاهر بن محمد المدن، صحيفة جهات الإخبارية.
كاتب مهتم بالتراث