أفلا يتفكرون!
الكثير من دول العالم اعتمدت تدريس مادة الفلسفة مبكراّ، فبدأت بالأطفال «كالأرجنتين والبرازيل، وأميركا، وبريطانيا، وأستراليا، واليابان.. وغيرها».. وذلك لأهميتها، والهدف تنمية العقل وتطوير ملكة النقد في التفكير وإدارة المعرفة.. والمبادرة التي اعتمدتها هيئة التراث والثقافة في بلادنا باعتماد مشروع الفلسفة ونشرها في الوسط الإجتماعي عبر فتح مراكز ومعاهد، وتدريس مادة الفلسفة في المدارس والجامعات يعتبر من المشاريع المهمة، التي ستغني الساحة الثقافية والفكرية. فالبعض يتصور أن الفلسفة نوع من الهذر، والترف الفكري، والآخر يلتفت إليها في آخر عمره، لكن الأمر ليس كذلك. إن الفلسفة عبارة عن تشكيل الفكر وتعليم الفهم، وتعويد الذهن التفكّر والتفهّم، وهذا الأمر ينبغي أن نزرعه في الطفل وأن يتعوّد التفكّر والتعقّل. إذ يولد الطفل خالي الذهن من جميع المعارف التي تشكّل مواد التفكير، وكي تتراكم المعارف في الذهن، لا بد من تفعيل وتنشيط غريزة حبّ الإستطلاع لديه وذلك عبر السؤال. الرسول ﷺ قال: «العلم خزائن، ومفتاحها السؤال». لذلك كلما تقدّمت المرحلة العمرية للفرد، ينبغي تعليمه آداب السؤال، وأن يكون هدفه الأساس من السؤال تحصيل المعرفة.
وهناك وسائل متعددة من أجل إثارة الأسئلة عند أبناء المجتمع بجانب القراءة المكّثفة والهادفة. هذه الوسائل تتطلب أسلوبا وسلوكا صحيحاّ. فمن الأساليب المهمة في عملية تنمية التفكير وتقوية الملاحظة عند أبناء المجتمع تقوية الملاحظة الحسيّة؛ وذلك من خلال التدبر في مخلوقات الله من الحيوانات والكائنات وحركة الكواكب والنجوم وغيرها، وبالدلالة على هدفيّة الخلق. أما الأسلوب الآخر هو تنشيط مهارة العصف الذهني «Brain storming» عبر إثارة السؤال والملاحظة ضمن مجموعة من الأصدقاء في الجامعة أو المنزل أو المدرسة أو في العمل مما يؤدي إلى انفتاح الذهن على معلومات جديدة وتراكم في المعرفة، وبالتالي اختيار الرأي الصائب بعد نقاش وتبادل في وجهات النظر، وهذا مصداقا لقول الإمام علي بن أبي طالب : «أعقل الناس من جمع عقول الناس إلى عقله»، ويذكر في رواية أخرى: «اضربوا بعض الرأي ببعض يتولّد منه الصواب». فالتدريب على العصف الذهني يضعف من نزعة الاستبداد بالرأي والتعصّب للفكرة، وينمي حسّ تقبل النقد. أما الأسلوب الآخر والذي مجتمعنا بحاجة له نتيجة هجوم المعلوماتية وتوفر أدوات وسائل التواصل الإجتماعي والمعلومات الفائضة التي تأتي من كل صوب وحدب هو كيفية إدارة فائض المعلومات، يتطلب من أبناء المجتمع التحقّق من مصداقية المعلومات التي نتلقاها، وتوجيهها نحو المصادر والمراجع التي ينبغي أن نستقي منها المعلومات، واكتشاف التناقضات في المعلومات والآراء والمواقف، ومعرفة مواطن الخلل ونقاط الضعف، يقول الإمام علي «ألا لا خير في علم ليس فيه تفّهم»، وتشجيع المجتمع في اكتشاف المسائل وبناء الخبرات والإتعاظ بها. أما ما يتم استعراضه من فلسفة عبر بعض المنتديات الثقافية والمراكز يحتاج إلى وقت وعمل جاد في طرح الرؤى الفلسفية الموضوعية، وعدم الإستعجال في تقديم بعض الأفكار والأطروحات من أجل الاستعراض.