الأمل
المفردات اللغوية تكون، أحيانا، شابة متمرًدة على القاموس، متجهة، في خيلاء إلى آفاق أخرى، وأحيانا يدركها الهرم ويكسوها غلظة وجفافا، ويهجرها الإيقاع المرهف. وهذا في الحالتين ما تصنعه الأساليب الوجدانية ومدى استجابتها للزمن في حالة النجاح، أو تلك الأساليب التي بلا ظل، في التعبير الوجداني الفاشل، أو أنها غير وجدانية. ومفردة «الأمل» من تلك الكلمات التي تراها في الحالتين معا، لا من جهة الأسلوب، بل من النظر إليها من أبعاد مختلفة. لقد كتبت بازدراء منذ زمن ما يلي: «الأمل حالة انتظار. إنه استسقاء للمستقبل، واستمطار للغيب، واستجداء مغمض العينين للظروف. وإذا نظرنا إليه كشيء مساعد على تحمل أعباء الحياة، نراه نافذة وجودية لرؤية ما لا يُرى، ومتنفسا حياتيا لدى جميع الأمم، وإن كان مجرد ملهاة» كتبت هذا، ناظرا من بعد نفسي، أتخلّى عنه الآن، ناظرا إلى الأمل من «بعدٍ آخر»
في عصر الجواري، كان أحد الأثرياء يحب جارية في الحي الذي هو فيه، ويغدق عليها الأموال، فقال له أحد الأغبياء: لماذا لا تشتريها، وتوفر أموالك؟ فأجابه قائلا ما معناه: من لي، لو اشتريتها، بلهفة الانتظار، وبهجة اللقاء، وحرارة الكفّين، وسكرات العناق؟! في هذا الجواب نرى الانتظار، وهو مساحة الأمل، مطلوبا لذاته؛ لما فيه من لذّة اللهفة، سواء وصل الأمل إلى جني الثمر، أو لم يصل. ترى: ماذا سيفعل هذ السائل البليد لو سمع العباس بن الأحنف وهو يقول: «وحدَثتني يا سعد عنها فزدتني / جنونا فزدني من حديثك يا سعد؟» أظن أنه سيعض على ثوبه ويولي هاربا، خوفا من العدوى تنقض عليه من شعر ابن الأحنف.
التجارب الفاشلة التي يمر بها العلماء في مختبراتهم، قد تكون بالمئات، ولكن العالم، إذا وصل، بعد كل تلك التجارب الفاشلة، إلى نجاح التجربة الأخيرة، فاضت فرحة النجاح على تجاربه المتقدمة كلها، وأحس بزهو الانتصار في المرور بها درجة بعد أخرى، وراح يترنم بقول أبي تمام «حلمت بالراحة الكبرى فلم ترها / تنال إلا على جسر من التعب» يقول الشاعر الكبير قاسم حداد: الشاعر الذي لا يستمتع بلحظة الكتابة، ليس من المتوقع أن يمنح قارئ قصيدته المتعة والجمال» إذن: على كل شاعرة وشاعر أن يستمتعا بتربية الأمل مهما امتدت فترة الرضاعة وطال الانتظار لنضج الطفولة.