آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 1:42 م

البداية مع الكونت برنادوت

يوسف مكي * صحيفة الخليج الإماراتية

ظلت الاغتيالات السياسية من الظواهر المألوفة منذ القدم. وفي التاريخ المعاصر، يعزو لها بعض المؤرخين لتاريخ الحرب العالمية الأولى السبب في اندلاع تلك الحرب. فقد كان من أسبابها إقدام طالب صربي يدعى غافريلو برينسيب، في 28 حزيران/ يونيو 1914، على اغتيال ولي عهد النمسا فرانز فرديناند وزوجته أثناء زيارتهما لسراييفو. وقد تسبب ذلك في اندلاع الحرب الكونية الأولى، التي نتج عنها مصرع ستة عشر مليون شخص. وشارك فيها من جانب دول الوفاق بريطانيا وإيرلندا وفرنسا، في مواجهة دول المركز: ألمانيا والنمسا والدولة العثمانية.

ورغم ما تركته الحرب من آثار مدمرة، على العالم بأسره، فإن ما أعقبها من أحداث، أكد أنها حرب لم تكتمل. فمع حلول عام 1928، بدأت أوروبا، والعالم بأسره، تشهد كساداً اقتصادياً كبيراً، لم يكن بالمقدور وضع حد له، بالنسبة لصانعي القرار، إلا بشن حرب كونية ثانية، أكثر فتكاً ودماراً. وكانت عمليات الاغتيال والتصفية فيها جمعية، ضحاياها الملايين من البشر.

في الوطن العربي، يعزى للدولة اليهودية أنها السباقة، لاعتماد الاغتيال، نهجاً لها منذ بداية تأسيسها، في نهاية الأربعينات من القرن المنصرم. وقد واصلت هذا النهج، في محطات عدة، حتى يومنا هذا. ولم تقتصر اغتيالاتها على السياسيين والرافضين لسياساتها، بل شملت العلماء والخبراء العرب، الذين كان وجودهم، سيسهم في تطوير التكنولوجيا والصناعات العربية. ولم تستهدف اغتيالاتها بلداً عربياً بعينه، بل شملت معظم البلدان العربية.

في 17 سبتمبر/ أيلول 1948 تم اغتيال الوسيط الدولي السويدي الكونت فولك برنادوت على يد عصابة «الأرغون» الإرهابية التي كان يتزعمها آنذاك مناحيم بيغن الذي أصبح رئيساً للوزراء، لأنه اقترح خطة سلام تنص على بقاء مدينة القدس بأكملها تحت السيادة العربية وعودة اللاجئين الذين هجروا من منازلهم، ثم أقدمت الحكومة الإسرائيلية، برئاسة ديفيد بن غوريون، على عمليات تفجير استهدفت مقرات تجارية أمريكية في مصر، في محاولة لوضع إسفين بين الولايات المتحدة والقيادة المصرية، التي تسلمت الحكم بعد تغيير النظام السياسي، في 23 تموز/ يوليو 1952. وتواصل نهج الاغتيالات في العدوان الثلاثي على مصر، عام 1956، وإثر حرب حزيران/ يونيو عام 1967. وأثناء حرب الاستنزاف، جرى اغتيال رئيس الأركان المصري، عبد المنعم رياض خلال زيارته لخطوط الجبهة، على الضفة الغربية لقناة السويس.

وكانت حصة الفلسطينيين، من الاغتيالات الإسرائيلية، نصيب الأسد، حيث جرت ملاحقة المناضلين الفلسطينيين في كل مكان، شملت دولاً أوروبية، وبلداناً عربية، في لبنان وسوريا وتونس. ولم تتوقف عمليات الاغتيال طوال تاريخ المواجهة بين العرب وإسرائيل.

وكان للمقاومة الفلسطينية نصيبها الوافر من الاغتيالات حيث تم تمت تصفية قادتها جسدياً، الواحد تلو الآخر، ابتداء من الشيخ أحمد ياسين، إلى عبد العزيز الرنتيسي، الذي اغتيل في 17 نيسان/إبريل 2004، واغتيال الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بالسم. وبعد اندلاع ما بات معروفاً بطوفان الأقصى، عملت إسرائيل على استهداف قادة الحركة، فجرى اغتيال صالح العاروري في 2 كانون الثاني/ يناير من هذا العام، واغتيال إسماعيل هنية. وأخيراً الاغتيالات التي وقعت في لبنان، وما رافقها من قتل المدنيين والأبرياء، من الذين لم يكن لهم ناقة ولا جمل في هذه الحرب أمام أنظار ومسمع العالم بأسره.

وللأسف فإن هذه الاغتيالات منذ بداياتها حتى الآن تحظى بدعم واسع ومطلق من إدارة الرئيس الأمريكي، جوزيف بايدن، التي وقفت ولا تزال تقف مقدمة الدعم لحرب الإبادة التي تشنها حكومة نتنياهو، في قطاع غزة.

والمسؤولية تقع بالدرجة الأولى، على القوى الكبرى، وبشكل خاص روسيا والصين. ولن يكون مقبولاً تعلل روسيا، بانشغالها بالعملية العسكرية الخاصة التي تشنها على أوكرانيا. كما لن يكون مقبولاً أيضاً، تذرع الصين، بانشغالها بمشاكلها في بحر الصين، ومع حكومة تايوان. إن مثل هذه الذرائع تعني سيادة قانون الغاب، وتعطل دور المؤسسات الناظمة للعلاقات الدولية، وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي، والجمعية العامة للأمم المتحدة.

إن مسؤولية الدول الكبرى، في حماية القانون الدولي، هي مسؤولية أخلاقية وإنسانية، ومحاسبة القوى التي تضرب بالمبادئ والقوانين الدولية عرض الحائط. وإذا لم يتم التصدي لتلك القوى، فإن البديل عنها هو العودة للمرحلة التي انعدمت فيها قوانين الاستقلال والسيادة والكرامة الإنسانية، وانفلات الأمن الدولي، فهل تتحرك البشرية لتغيير هذا الواقع قبل فوات الأوان؟!