آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 3:22 م

جائزة «القلم الذهبي»... لماذا هي مهمة؟

ميرزا الخويلدي * صحيفة الشرق الأوسط

لماذا تُعد جائزة «القلم الذهبي» للأدب الأكثر تأثيراً، التي أطلقتها هيئة الترفيه السعودية، مهمة وشديدة التأثير؟ ببساطة لأنها تجعل الأدب مدماكاً للصناعة الفنية. بعد سنوات من طغيان الأعمال الفنية الهابطة والمدمرة للذائقة.

تركز جائزة «القلم الذهبي» على الأعمال الروائية الأكثر قابلية للتّحويل إلى أعمال سينمائية، وتمنح جوائز سخية، بهدف جذب كبار الأدباء والموهوبين لساحة الكتابة الروائية التي يمكن أن تندمج مع الصناعة السينمائية، وبالتالي فهي تخدم حقلي الأدب الروائي والفن السينمائي، وتشمل مسارات الجائزة: الرواية الكوميدية، ورواية التشويق والإثارة، ورواية الفانتازيا، والرواية التاريخية، ورواية الغموض والجريمة، ورواية الرعب، والرواية الواقعية، والرواية الرومانسية.

في عصرها الذهبي، كانت الرواية الأدبية محرك السينما المصرية، بدأت السينما الروائية بفيلم «زينب» عام 1930 عن رواية محمد حسين هيكل، الذي يعد أول فيلم روائي مصري، جاء بعده «دعاء الكروان» عام 1959، المقتبس من رواية طه حسين، وهو الفيلم الذي احتلّ المركز السادس في قائمة أفضل عشرة أفلام في تاريخ السينما المصرية. تالياً استفادت السينما المصرية من الأعمال الروائية العظيمة التي قدمها عمالقة الأدب العربي، أمثال نجيب محفوظ، الذي أصبحت رواياته في ستينات القرن الماضي أهم الأعمال السينمائية منذ كتب رواية «بداية ونهاية»، ثمّ ثلاثيته الروائية: «بين القصرين»، و«قصر الشوق»، و«السكرية» وصولاً إلى «اللص والكلاب»، و«ميرامار»، و«الحرافيش»، و«السمان والخريف»، و«الشيطان يعظ»، و«الكرنك»، و«الحب فوق هضبة الهرم»، و«ثرثرة فوق النيل»، و«زقاق المدق». كما استفادت من أعمال الكاتب والروائي يحيى حقي، صاحب «قنديل أم هاشم»، و«البوسطجي»، ومن أعمال يوسف السباعي في «أرض النفاق»، و«نحن لا نزرع الشوك»، و«الحرام»، و«السقا مات»، و«ردَّ قلبي» ورائعة عبد الرحمن الشرقاوي: «الأرض»، وتوفيق الحكيم في «الخروج من الجنة».

ولا يمكن إغفال الأعمال الأدبية الرائعة لإحسان عبد القدوس وهو من أكثر الروائيين العرب إنتاجاً، حيث ألَّف أكثر من 600 رواية وقصة، ووصل عدد رواياته التي تحولت إلى أفلام ومسلسلات إلى قرابة ال70 فيلماً ومسلسلاً سينمائياً وتلفزيونياً، وشارك في كتابة السيناريو، بالإضافة إلى خمس روايات من أعماله حُوّلت إلى نصوص مسرحية، وتسع روايات أصبحت مسلسلات إذاعية، وتُرجم كثير من رواياته إلى لغات عالمية، ومن أعماله السينمائية: «في بيتنا رجل»، و«النظارة السوداء»، و«بئر الحرمان»، و«يا عزيزي كلنا لصوص»، و«الراقصة والسياسي»، و«لا تطفئ الشمس»، و«الوسادة الخالية»، و«الرصاصة لا تزال في جيبي».

السينما العالمية هي الأخرى اعتمدت على الأدب الروائي واستعانت بكتاب بارزين ليكتبوا لها، نستذكر هنا الراحل ستانلي كوبريك الذي يعد واحداً من أعظم صناع الأفلام في التاريخ، ونالت أعماله شهرتها لأسباب من أبرزها رصانة النصّ، وجودة المحتوى، حيث كانت أفلامه مستوحاة غالباً من روايات أو قصص قصيرة لأدباء بارزين. بالمناسبة حتى السينما المصرية استفادت من الأدب العالمي، حين حوّلت الرواية الروسية الشهيرة «الإخوة كارامازوف» للكاتب الروسي فيودور دوستويفسكي، إلى فيلم «الإخوة الأعداء» عام 1974.

النصّ أولاً، ثمّ تأتي بقية محركات الصناعة السينمائية، وأزمة النصّ كانت السبب الأبرز «وليس الوحيد» في انهيار الفنّ السابع وبقية الفنون، وبانهيار الفنّ انهارت الذائقة الفنية، وانهارت معها منظومة قيم المجتمع، مع اكتساح السينما التجارية، التي أصبحت تتوسل بالبلطجية والراقصات، لتسويق أعمال تتسم بالانحطاط في الذوق، وتسطيح الوعي، وتسخيف معاناة الناس.

كانت ألمانيا النازية أيام هتلر تسعى لجعل الفنّ البصري والسينمائي وسيلة لنشر قيمها في ترسيخ التفوق العرقي، ولذلك حاربت الفنّ الحديث، وأي فنّ يرمز للحداثة، وابتكرت مصطلح «الفن المنحط»، أو «الهابط» وذلك لتسويغ محاربته. لكنّ الفنّ المنحط - بعيداً عن التوصيف النازي - أصبح حقيقة، لا يكفي الشكوى منها، وإبداء التذمّر، كان لا بدّ أن تنطلق المبادرات لتصحيح هذا الوضع، والبداية طبعاً لا بدّ أن تكون في توفير النصّ الزاخر بالمعنى واللغة والخيال الذي يحتوي على الحكاية التي تُشبع نهم وتطلع الجمهور وتداوي عطشهم نحو الإبداع والجمال. القصة التي لا تنتهي بنهاية الفيلم، وتبقى عالقة في الذاكرة، قد تعالج قضية، وقد تحاكي واقعاً، وقد تسبح في فضاء الخيال... المهم أن تستثير الفكر وتمنح المشاهد المتعة والجمال.

لذلك جاءت جائزة «القلم الذهبي» في وقتها... فأن تُشعل شمعة خيرٌ من أن تلعن الظلام!