حضور قوي لغزة في مناظرة ترامب - هاريس
لم تجانب المرشحة الرئاسية عن الحزب الديمقراطي الصواب، حين صرحت بأنها ليست الرئيس جوزيف بايدن، كما أنها ليست دونالد ترامب، فالرئيسان بايدن وترامب، ينتميان إلى الجنس الأبيض، الجنس الأنجلوسكسوني، ولا يخفيان اعتدادهما بها. والأخير، لا يتردد عن إبداء مواقفه العنصرية، تجاه المهاجرين، الذين يصفهم بأكلة الحيوانات الأليفة، وفقاً لتصريحه في المناظرة الرئاسية التي جمعته مع المرشحة الرئاسية كمالا هاريس، الأسبوع الماضي.
أصول المرشحة الرئاسية، كامالا هاريس، من أم هندي، وأب من جامايكا، يجعل لغتها مختلفة، عن لغة بايدن وترامب، ليس فقط تجاه قضايا الهوية والموقف من المهاجرين، بل أيضاً تجاه السياسات الاقتصادية الداخلية، وأيضاً تجاه مسائل أخرى، من ضمنها حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل تجاه المدنيين في قطاع غزة، ومؤخراً في الضفة الغربية.
علاقة بايدن وترامب بإسرائيل، تكاد تصل إلى الانتماء الصوفي، فالأول، اعترف بمدينة القدس الموحدة، عاصمة أبدية لإسرائيل، خلافاً للقرارات الصادرة عن مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة، وبالضد من القانون الدولي، التي ترى في القدس الشرقية، أرضاً محتلة، ويعتبرها الفلسطينيون عاصمة لدولتهم المرتقبة، فيما الثاني، صرح في عدد من المرات، بأنه صهيوني، وأن إسرائيل لو لم تكن موجودة لوجب العمل على إيجادها،. ووزير خارجيته، أنتوني بلينكن، يجاهر بتأييده المطلق لإسرائيل، في مواجهة سكان غزة.
صحيح أن بايدن، بخلاف ترامب، يؤكد أهمية قيام دولة فلسطينية مستقلة، تأخذ مكانها بالضفة الغربية وقطاع غزة، وأن الجزء الشرقي من القدس، هو جزء من هذه الدولة، لكن هذا القول، لا يعني شيئاً على أرض الواقع، طالما تم إلغاء اتفاق أوسلو من جانب نتنياهو، ولم تعترض إدارة بايدن على ذلك الإلغاء، حتى يومنا هذا.
إضافة إلى ذلك وقفت إدارة بايدن باستمرار، في مجلس الأمن للحيلولة دون اتخاذ أي قرار يدين حرب الإبادة التي تمارسها إسرائيل بحق المدنيين في قطاع غزة، واستخدمت حق النقض «الفيتو» لمنع أي إدانة لممارسات إسرائيل.
موضوع قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، على الأراضي التي تم احتلالها في حرب يونيو/ حزيران عام 1967، وتحديداً في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، تم طرحه أول مرة في لقاء قمة جمع بين الرئيس الأمريكي السابق، جيمي كارتر، والأمين العام للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي ليونيد بريجينف، وتكرر ذلك مرة أخرى، في عهد الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، وكان ذلك هو القاعدة التي بنيت عليها مفاوضات أوسلو، برعاية الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، ورئيس الحكومة الإسرائيلية حينها إسحاق رابين.
تم التوقيع على اتفاق أوسلو، في 13 أيلول/سبتمبر من عام 1993، بين عرفات ورابين، في البيت الأبيض برعاية الرئيس الأمريكي، كلينتون، وتم الاتفاق على تأجيل موضوعي القدس واللاجئين للمفاوضات النهائية، التي ستأخذ مكانها بعد خمس سنوات من توقيع الاتفاق المذكور، أي عام 1998.
وعلى الرغم من مرور 26 عاماً، على توقيع اتفاق أوسلو، فإن خطوة أخرى، على صعيد تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني في الحرية والانعتاق لم تجد طريقها إلى النور حتى يومنا هذا.
صحيح أن الرئيس جورج بوش الأب، أكد بعد حرب الخليج الثانية، عام 1990، أهمية إيجاد حل للقضية الفلسطينية، ودعا إلى عقد مؤتمر مدريد، الذي أخذ مكانه مباشرة بعد الحرب على العراق لإجباره على الخروج من الكويت، لكن تلك المفاوضات المكوكية لم تؤد إلى أية نتيجة، فقد بقيت مرتفعات الجولان السورية محتلة حتى يومنا هذا، كما ظلت الضفة الغربية ومدينة القدس وقطاع غزة، ضمن قائمة المصروفات.
واقع الحال، أن رؤساء الحكومات الإسرائيلية السابقين، مثل شمعون بيريز وإيهود أولمرت، وحتى ضمن حزب «الليكود»، مثل أرييل شارون وتسيبي ليفني، تبنوا مواقف أكثر مرونة تجاه قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، لكن ذلك لم يؤد إلى قيامها. الخطوة العملية الوحيدة التي تحققت، على طريق تحقيق الحد الأدنى من صبوات الشعب الفلسطيني، هي توقيع اتفاق غزة أريحا، الذي عرف لاحقاً ب «اتفاقية أوسلو»، والذي بموجبه تشكلت السلطة الفلسطينية برئاسة ياسر عرفات، وليتبعه بعد رحيله، الرئيس محمود عباس «أبو مازن».
في الانتخابات الأمريكية الراهنة، برزت قضية الحرب على غزة بوضوح، مثل فيها الرئيس الأمريكي ترامب، الجانب المتطرف، الرافض للاعتراف بأية حقوق للفلسطينيين، والذي يتهم المرشحة هاريس، بدعم حركة «حماس»، والوقوف ضد إسرائيل، من جانبها كمالا هاريس، تؤكد التزامها القوي بأمن إسرائيل، وتوفير كل المستلزمات، لتحقيق ذلك، مع تأكيدها من جانب آخر، أهمية حماية المدنيين الفلسطينيين في القطاع، وتأمين الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني، بما في ذلك قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، والطريق إلى تحقيق ذلك، هو الوصول إلى صفقة يتم بموجبها إطلاق سراح الرهائن، ووقف إطلاق النار، وإعادة إعمار ما خلفته الحرب على قطاع غزة، وتوفير الماء والغذاء للفلسطينيين، وعودة المهجرين إلى ديارهم.
البيان الأخير الذي صدر عن وزراء الخارجية العرب، الذي طلب من المجتمع الدولي تفعيل الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة الجنايات الدولية، والذي أكد عدم قانونية وجود إسرائيل بالأراضي الفلسطينية المحتلة، هو خطوة في الطريق الصحيح، ينبغي التمسك بها، لكن ذلك ليس كافياً من الأشقاء العرب، لأن القضية الفلسطينية، هي بالأساس قضيتهم، وينبغي استخدام كل الوسائل، بما يحقق وقف حرب الإبادة، في غزة، وتطلعات الفلسطينيين في الحرية وتقرير المصير، وبناء الدولة المستقلة فوق التراب الوطني الفلسطيني.