آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 4:07 م

الأسلوب الأمثل للوعظ وأثره في الإصلاح

سلمان العنكي

من دون شك ولا ريب، شئنا أم أبينا، لا يخلو أحدنا من مخالفات شرعية وتعديات حقوقية وعيوب أخلاقية، ولو بالحد الأدنى، بائنة كانت أو خافية، صغيرة أو كبيرة، بواحدة أو أكثر، كحلق اللحية وحبس الميراث وأكل مال اليتيم والتعامل مع الأرحام والجيران والحياة الأسرية بأطرافها، تسلط الزوج على ملكية زوجته، عدم الوفاء بالمواعيد، تدليس عند أداء الوظيفة، إهمال الخدمة المجتمعية، تقمص وحب المتغيرات الدخيلة غير المتعارفة، وأبسط مصاديقها اللباس والثقافات واللغات «وهي المستهدف الرئيس بهذا المقال»، ومواقف المجتمع تجاهها متباينة.

من يقول: كل جديد مرحب به، لا تعنيه قيم، لا يبالي بدين، الإباحيات والسفور وصحبة الكلاب تحضر، انحراف السلوك والإلحاد وتغيير الجنس حريات، وظنه دومًا أنه الأرقى وسواه متخلف أبله لا يفقه شيئًا، وجاهل ليس له قرار ولا رأي ثابت، ينطبق عليه المثل الشعبي ”مع القوم يا شقراء“، لا يعلم، لا يسأل ليتعلم، لا يفرق بين الصالح والطالح، لا يراقب أفعال العقلاء من حوله فيتبناها، لا يتعظ من إخفاقاته المتكررة.

أما الآخر فهو الموازي بين الكفتين، المقبول والمرفوض، النافع والضار، الموافق والمخالف، يأخذ الأول ويرد الثاني، لا يحيد عن تعاليم الشرع، ملتزم بما يجب عليه، منتهٍ عما نُهي عنه، إنه حليم رشيد، ونحن منها في حاجة لتنبيه وتصحيح مسار، إنما بالتي هي أحسن، ولحبنا للذات لا نقبل نعابًا علنًا أمام الإشهاد بألفاظ مستهجنة تصل إلى معيبة، وإن كنا مخطئين.

وعند معالجة تلك الحالات نرى أصنافًا:

- الأول: يستعرضها بإسهاب وتمحيص دقيقين، بعصبية شديدة، مع إضافة على الواقع بما ليس فيه، كل جديد عنده بدعة وضلالة، لا جائز ولا مباح، يقول: غزانا الاستعمار وغيّر ما كنا عليه لقرون، الكهرباء والغاز لا نحتاج، يكفينا السراج للإضاءة ومروحة سعف للهواء، وللطبخ الحطب، أجدادنا ما كانوا يستقلون سيارة ويصعدون في طائرة أو يتنقلون بقطار، الخيل والبغال والحمير لتركبوها، البنطلون والشورت والقبعة ألبسة «الإفرنج الكفار» لا تليق بالمسلمين، فلا ذيك تعني ولا هذه تلزم، ولا نلبس إلا ما اعتدناه، مسببًا حرجًا لخليط من الحاضرين المستمعين أمامه بالمجلس، وفيهم من ناهز الثمانين برفقة أبناء وأحفاد، لا يقترح حلًا بل توبيخًا وكفى. مثل هذا بعيد عن المقصود من حيث لا يشعر، طرحه لأمور حساسة بهذه الطريقة يزيد التمسك بها والغافلين لارتكابها، فتتحول دعواه للإفساد أقرب منها للإصلاح. يا هذا، قل قولًا لينًا لعل وعسى، فما أنت بأفضل من موسى ولا هم بأسوأ من فرعون، لست عليهم بمسيطر.

- الثاني: يفرض العقاب ولا يدعو للاستغفار أو يحث على الثواب، يخوف بجهنم وسعيرها، لا يذكر بالجنة ونعيمها، يتمسك بجانب التشريع، لا يعنيه البعد الأخلاقي والأحوال السائدة ذات الأهمية، وكما يعلم الجميع كثر في أيامنا الحديث حول إيقاف السيارة أمام منزل الغير أو الجار بقول: لا يحق لمالك البيت أن يمانع إيقافها لأن القانون والشرع يعطيانه حق ذلك ما لم يغلق المداخل. نعم صحيح، ولكن للأسف البعض إذا وجدها عند بيته يعبث بها، تهشيمًا وتخريبًا، طلاء بالألوان، وتمرير بمسمار، وتعطيل عجلات، بفعل الأب أو أولاده برضاه. هذا العمل لا يجوز، مخالفة وسوء خلق، إنك تتحمل حقين، خاصًا: قيمة ما أتلفته وغيرته، وعامًا: تُعاقب لاعتدائك على أملاك غيرك. في المقابل، لا ننسى أن هناك جانبًا يجب التعرض له، ربما في المنزل مريض أو مسن أو طارئ يطرق بليل، وفي الأحياء القديمة والمزدحمة يصعب البحث عن موقف قريب أو حتى بعيد، فما المانع من مساعدة الجار بإفساح المكان له، ففي ذلك الأجر العظيم، والإسلام جاء بالحب ومكارم الأخلاق. روي عن الإمام الحسن السبط قوله: لا يُعاب أحد بترك حقه، وإنما يُعاب من يأخذ ما ليس له. لو تسامحنا تحاببنا. دعوة الواعظ هنا مبتورة، عليه إعادة النظر، يقلب الصفحة ويقرأ وجهها الآخر، ثم يبدل النصح جاهدًا وهو مطلب شرعي اجتماعي، حينها يُسمع ويُتبع بفضل إرشاده المتكامل.

- الثالث: يدرس المشكلة بتمعن، يطلع على أبعادها، يتفهمها، يخوض في عمق بحورها، يبحث عن مسبباتها بروية وتأمل، ثم يخاطب الأطراف بعبارات خفيفة الحروف، يُشم منها رائحة المسك، يرضاها المثقف ويفهمها العامي، يقدم أنجع الحلول، مراعيًا شعور المتواجدين وظروفهم المادية والمعنوية والعمرية، وبما يتماشى والوضع العام، بأسلوب مشوق من غير إهانة وتنقيص أو حتى يُعرف المعني بالخطاب، واضعًا نقطة تبين بداية الطريق ليسلك بأمان، يحذر من عواقب الأمور السيئة، يوضح النتائج الإيجابية، مبينًا ما ينفع وما يضر. مثل هذا يوصف بالمصلح الأمثل، يُقدم له الشكر والامتنان والعرفان بالجميل.