آخر تحديث: 16 / 10 / 2024م - 1:11 ص

الفقيه البالنبوري في كتاب ساخوت

حسن آل حمادة *

يعيش الإنسان في مجتمعه وهو يبحث عن مثال يتخذ منه قدوة وأسوة في سلوكه، وهذا المثال قد يقود المرء إلى طريق الخير أو طريق الشر، فمن صلح واستقام؛ صلحت دنياه وآخرته، لذا لا عجب أن يصرخ الذين ضلوا الطريق، ﴿يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خليلا [الفرقان: 28]! فمن تتخذه خليلًا أو قدوة لك يقودك نحو الجهة التي يسير نحوها، وبيدك أنت وحدك تختار الطريق الذي ينجيك أو يرديك! وما أتعس الإنسان الذي يكون بيده مفتاح السعادة متمثلًا في القرآن الكريم والهدي النبوي، ثم يستبدل به مفتاح التعاسة متمثلًا في الشيطان وهوى النفس، ليكون لسان حاله وحسرته: ﴿لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي، وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا [الفرقان: 29]!

وبداهة أن القرآن الكريم قد أرشد الإنسان لأن يتخذ النماذج الخيرّة التي تقوده نحو السعادة والفلاح وهم الأنبياء والأئمة الهداة ومن سار على دربهم من العلماء الأخيار، وهم ممن عناهم الله - سبحانه وتعالى - بقوله الكريم: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام: 90].

هذا ما خطر في ذهني وأنا أقرأ كتاب الصديق العزيز الدكتور محمد ساخوت حسين البشرى حول أستاذه المحدث الفقيه الشيخ سعيد أحمد البالنبوري وهو من علماء الهند المعاصرين، ويندرج اسمه ضمن كوكبة متواصلة من العلماء الذين حظوا بمكانة علمية متقدمة جعلته في طليعة الأسماء التي يشار لها بالبنان على مستوى الوسط الأكاديمي والعلمي والاجتماعي.

فالشيخ البالنبوري يتميز بعلمه الغزير وتواضعه واعتداله وحلمه وأدبه وأخلاقه وبسعة صدره وحزمه كما يتميز بخدماته الغزيرة في العلوم النبوية والقرآنية وسنقرأ بين صفحات هذا الكتاب بعض الإضاءات حول هذه الجوانب في حياته كما رسمها ببراعة مؤلف هذا الكتاب الذي أغرم بالبالنبوري وجعلنا نشاركه هذا الغرام.

ولعل من المحطات اللافتة في حياة الشيخ البالنبوري أنه عاش طفولة عادية وتربى على يد والده الفلاح وتعلّم منه قبل أن يرسله إلى حلقة العلم في القرية نفسها وهو في سن الخامسة! وأخذ هناك أبجديات القراءة وأنهى قراءة القرآن الكريم وتعلم الأردية واللغة الأوجراتية، كما كان لاحقًا، متضلعًا باللغة العربية والأردية والفارسية، وهكذا تدرّج في التعليم حتى وصل مرحلة عليا وتم تعيينه أستاذًا للدراسات العليا في الجامعة الإسلامية بدار العلوم دبوبند، ثم أصبح رئيس هيئة التدريس وتولى منصب شيخ الحديث.

ورغم المكانة العالية التي وصل إليها الشيخ البالنبوري فقد كان يعيش مع الناس عامة ومع طلبته خاصة، كأحدهم، لا يضع نفسه في أبراج عاجية - بتعبير ساخوت - متفاعلًا مع طلبته في الجامعة... يحادثهم ويصغي إلى مشاكلهم اليومية في الدراسة والنشاطات العلمية الأخرى ثم ينصحهم بكل محبة. وكان لا يتعصب لرأيه حين يجد الدليل الأقوى بل يتراجع عن رأيه بكل سهولة ويسر، ومن كان هكذا مسلكه فلا عجب أن يتحلّق المريدون حوله لينهلوا من علمه وسجاياه.

يطيب لي أن أبارك لأخي الكريم الدكتور محمد ساخوت الذي تعرفت إليه على صفحات شبكة التواصل الاجتماعي منذ أكثر من عقد عندما كان يعيش في بلدي الحبيب المملكة العربية السعودية، وكنت وقتها ألحظ همته وعشقه للغة العربية وفاجأني حين علمت أنه من الهند ثم ازددت محبة له حين وجدته يعيش مهمومًا بالعلم والتعلّم والتواصل مع الآخر سواء اتفق معه في جزئيات أو اختلف، ليجسد آية التعارف بشكل واقعي وعملي، وهكذا تمضي السنوات ويزداد صاحبنا همة وتطلعًا ليواصل مشواره العلمي، حتى يكمل دراساته العليا ويحصل على درجة الدكتوراة ويتخذ منها عكازة تعينه على رفد الساحة العلمية والثقافية بهذا النتاج الجميل، وسنظل نترقب منه الجديد والواعد من العطاء النافع.



* مقالة مستلة من تقديمي لكتاب سيصدر قريبًا في الهند بعنوان: ”سطور في حياة الفقيه الشيخ سعيد أحمد البالنبوري“، للدكتور محمد ساخوت البشرى.
كاتب سعودي «القطيف».