رحلة الذات
في ظلّ عالم يعج بالشكوك والإحباطات يبدو أنّ هناك من اختار أن يعيش في ظلال ثقافة تفتقر إلى الجمال والتنمية، تلك النظرة التي ترى الحياة فوضى محضة يسودها الكآبة والسلبية، تجعل الأفراد يبتعدون عن بديهيات الإبداع والجمال الذي يحيط بهم، فالأحلام تصبح مجرّد خيوط رقيقة تتلاشى في زحام الواقع الذي يعيشه البشر وكأنها لا تعبّر عن قلوبهم وأرواحهم بل هي مجرّد عواصف عابرة لا تأثير لها.
في رحلة الذات يقول الفيلسوف نيتشه:
”ليس هناك ثمن باهظ للغاية مقابل امتلاك نفسك“.
لكن دعونا نتأمل ما حولنا، ففي قلب كلّ إنسان تكمن طاقة إيجابية لا حدود لها، تلك التي تذكرنا بأنّ الله سبحانه وتعالى خلق الكون ببلاغة وعظمة تتجلى في التفاصيل الصغيرة والكبيرة، فكلّ زهرة تتفتح وموجة تتلاطم وسماوات تمتدّ تدلّ على أنّ هناك جمالًا حقيقيًا ينبغي لنا أن نستخلصه من أعماق وجودنا أحيانًا، نحتاج إلى لحظة صمت في وقف نداء الفوضى ونستمع إلى نبضات الحياة تلك التي تنادي بنا لتجعلنا نعي أن كلّ كأس من الماء يحمل في عمقه سرًّا من أسرار الحياة.
الفكرة الأساسية هنا تتعلق بالوعي، فهل البهائم تدرك ما يدور حولها في الفضاء الواسع؟
قد لا تدرك ولكن تعيش بفطرتها، بينما نحن كبشر لدينا عقول وقلب يتناغمان مع الكون، فالتساؤلات التي قد نطرحها على أنفسنا ليست مجرّد أسئلة عابرة بل هي بوابة لفتح آفاق جديدة من الفهم والعلم لتمكيننا من استخدام قدراتنا لتحقيق أدوات التغيير، علينا أن نعيد اكتشاف أنفسنا وليس فقط من خلال ما نراه بل من خلال ما نستطيع أن نكونه، فنحن كأناس نملك الخيار بأن نعيد تشكيل واقعنا وأن نغمره بفيض من الإبداع والجمال الذي يحيط بنا، علينا أن ننظر إلى السماء ونتأمل فيها ونعي أنها تمطر عقولًا قادرة على الإبداع البناء، فالأفكار والرؤى ليست بعيدة عن أرض الواقع بل هي ممكنة، بل ويجب أن نمدّ أيدينا للأحلام ونجعلها حقيقة، فالحياة ليست مجرّد رحلة بل هي لوحة فنية يمكننا رسمها بألواننا واختياراتنا.
في رحلة اكتشافنا للذات، نجد أنفسنا أمام خيارات متعددة قد تدفعنا للاختيار بين السير في دروب الاحتيال على واقعنا أو مواجهة التحديات بإرادة صلبة وعزيمة لا تلين. عندما نختار أن نكون نشطاء في صناعة جذورنا الثقافية والجمالية، ندعو في تجديد وعينا بالأشياء البسيطة التي قد تبدو تافهة، مثل ابتسامة عابرة، أو ضوء الشمس المتسلل عبرة النافذة. هذه اللحظات الصغيرة تتكون منها روائع الحياة بدلًا من الوقوف عند حدود ما يخالف تقاليد الماضي.
إنّ مواجهة هذا التحدي تتطلب منّا جهدًا اجتماعيًا مبنيًا على الفهم والتفهم، حيث يتعافى المجتمع من نزعات العزلة والتشكيك في الذات. علينا بناء الجسور بين الثقافة التقليدية وبين متطلبات الحداثة، هذه الجسور لا تعني التضحية بأنفسنا أو هويتنا بل تعبّر عن تقبّلنا لمختلف أبعاد الوجود التي قد تسهم في تشكيل مستقبل أفضل. كلما أصبحنا أكثر وعيًا بتنويع التجارب والثقافات، كنّا أكثر استعدادًا لاستقبال مختلف الآراء حتى وإن بدت متعارضة.
من خلال التفاعل مع هذا التنوع، يمكننا أن نتعلم كيف ندمج قيم الماضي مع تطلعات الحاضر والمستقبل لنغذي عقولنا بالمعرفة ونطور عواطفنا نحو الجمال والإبداع. يجب أن نكون مستعدين لتوسيع منظورنا وبالتالي الاستفادة من الحكمة المتراكمة عبر الأجيال والموسوعة المعرفية التي تتجاوز حدود الثقافات. فكلّ مكون ثقافي يحمل في طياته ما يستحقّ البذل والمشاركة، حيث يمكن أن نثري تجاربنا من خلال تفاعلنا مع مختلف الفنون، الأدب، الموسيقى.
ربما يتطلب الأمر منّا أن نكون أكثر عمقًا في فهم ما تحمله الحياة من تعقيدات، لكن إدراكنا أنّ التحديات ليست عائقًا بل دعوة للإبداع سيشكل تحولًا جوهريًا في طريقة عيشنا. يمكننا أن نفتح أمام أنفسنا آفاقًا جديدة لنفهم كيف يمكننا أن نكون جزءًا من التغيير بدل انتظار حدوثه. هذا الوعي يحتاج إلى كسر حدود الخوف من التجربة والمغامرة.
دعونا نحتفل بجمال الحياة ونخلق عالمًا من الأفكار المتجددة التي تغذي الروح وتعزّز قيمنا كأفراد وجماعات. وبهذا الشكل نكون أبدعنا في ربط ما هو معاصر بما هو تقليدي حتى نصنع معًا شيئًا يستحقّ الاحتفال.