آخر تحديث: 4 / 12 / 2024م - 9:38 م

إننا نشبهه «أشبعتهم سبا وراحوا بالإبل»

محمد العلي * مجلة اليمامة

هذا مثل قديم يوضح حالتي: الضعف والقوة، أو الفعل والكلام. فسلب الإبل من الراعي الذي لا يملك إلا السب/الكلام لا يدل على ضعفه وحده، بل على ضعف قومه: «لو كنت من مازن لم تستبح إبلي / بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا الخ» هذه الحماسة الغاضبة لقريظ بن أنيف، وضعها أبو تمام أول ما اختار في ديوان الحماسة.

السب حالة تنفيس عن غليان داخلي يسببه الغضب عند جميع الأفراد والشعوب، مع الاختلاف النسبي في درجة غليانه والرد عليه. وقد جاء في رواية «داغستان بلدي» للشاعر الكبير رسول حمزاتوف أن كاتبا أراد إحصاء مفردات السب، فوصفت له امرأة تحمل في لسانها طوفانا من السباب، فقصدها وسمع منها مفردات سب ملأت أذنيه، وحين أخبر من دلّه عليها بالمفردات التي سجلها، ضحك وقال له: أنت سجلت هذه المفردات وهي في حالة رضا، فما بالك لو كانت غاضبة!

نحن كأمة لا نختلف عن غيرنا، فمن القديم قيل: «يا ابن البوال على عقبيه» و«لا أبا لك» وقد «طيَّنها» من قال: «وإذا تكون كريهة أدعى لها / وإذا يحاس الحيس يدعى جندب / هذا لعمركم الصغار بعينه / لا أم لي إن كان ذاك ولا أب» ولا أدري كيف جاء هذا «الزلمة» إلى الوجود و«شرّف الحتّه»

المفارقة الضاحكة أننا نسمع في اللهجة المصرية العذبة» ما محبة إلا بعد عداوة» وهذا وهم، عبَّر عنه جميل بثينة الذي قيل فيه: «وما كل ممشوق القوام بثينة / وما كل مفتون الغرام جميل» والذي قال: «وأول ما قاد المودة بيننا / بوادي بغيض يا بثين سباب» ثم تركه متداولا على الألسن. فهل ترى معي أنه وهم يكاد ينضح جمالا وأملا، فما على من أحب من لا تحبه إلا أن يوسِعها رفسا لغويا وسبا، ولا ينسى أباها وأمها، وكل أقاربها، الأحياء منهم والأموات، وحتى جيرانها، فينغرس حبه تلقائيا في قلبها انغراس نخلة. وهكذا نستريح من 99% من إنتاج الشعراء الذين يذرفون آهاتهم طوال الليل، ويرمون العذال بحجارة من هذيان، في حين أنهم ينامون ملء عيونهم، ولا عذال إلا في خيالاتهم.

في الزمن الحاضر لا أظن أن أمة تسبق أمتنا في ميدان السباب، بكل مفرداته الغليظة؛ لأننا لا نملك سواه. إننا نشبه جدنا، ذاك الذي سلبت إبله.

كاتب وأديب