تأملات في الملحمة الحسينية «المستوى الإيقاعي 3»
صوت القافية في الشعر العربي له دور كبير في النغم الموسيقي، فهو الجرس المتكرر في نهاية كل بيت، وينتظر السامع صوت هذه الرنة في نهاية كل بيت شعري، ونظام المربعات الذي استخدمه الدمستاني في قصيدتي ”أحرم الحجاج عن لذاتهم“ يختلف قليلا في القافية، فهو يتألف من عدة مربعات أربعة أبيات، والثلاث الأولى بقافية والقافية الرابعة قافية المربعة التي تربط كل بيت رابع من القصيدة. ومن هنا نرى أن هذا الصوت يتكرر بعد كل ثلاثة أبيات التي تشكل إيقاع ورتم معين على مستوى تكرار الصوت من الكلمة الأخيرة في كل بيت، وأثر صوت الروي في القافية أثر كبير ولكل حرف صفات مختلفة.
فنجد قافية المحور في القصيدة ”البيت الرابع من كل مربعة“ النون الساكنة مردوفا بالياء اللينة، وبالمناسبة هذه النهاية هي نهاية كلمة ”حسين“ وليس عبثا أن يختار الشاعر هذه القافية، فقد تكررت كلمة الحسين أو حسين في القافية هذه - البيت الرابع - 17 مرة، وكأن الشاعر يريد تكرار صوت الحسين هذا العدد. من أصل 72 مرة قافيتها نهاية كلمة حسين أقصد الياء والنون.
كأن الشاعر يعطي حرف الياء مداه من المد لأن بعده النون الساكنة التي سيكون التوقف عندها، أي أن هذه القافية تتألف من ساكنين عروضيا. وبكلمة أخرى قفل مد الياء بحرف له صفات خاصة فهو من حروف الذلاقة ”السهلة النطق“ وهو من حروف الغنة ”أي أن نهاية نطقه من الأنف“.
وقد زاد على المستوى الشعبي الخطباء والرواديد فتراهم يزيدون بيتا بعد كل مربعة ”واحسينٌ واحسينٌ واحسينٌ واحسين“ فهو يناسب رتم روي القافية، وكلمة حسين مسبوقة بياء النداء أو التفجع ”الواو والألف“، هو وزن فاعلاتن والأخيرة فاعلات وهو حرف الروي نفسه للمحور في القصيدة.
وهنا لا بد أن نستعير من علم التجويد مصطلح ”مد عارض للسكون“ أي أن الياء الساكنة المسبوقة بفتح اكتسبت المد لأن الحرف التالي لها ساكن ”عند الوقف“.
وعلى مستوى الأبيات الثلاث من كل مربعة سوف نورد حروف الروي الواردة في النص الشعري، وسأذكر الكلمة الأولى التي تقع فيها القافية والتي تمثل البيت الأول من كل مربعة، وفق الجدول التالي، حيث العدد الذي مع الكلمة يمثل رقم المربعة:
من خلال الجدول السابق، هناك عدد من الملحوظات:
نوع الروي المستخدم في القافية متنوع بين الحروف القوية والسهلة، والمجهورة والمهموسة، وهنا لا بد من الإشارة إلى كلام الدكتور إبراهيم أنيس في كتابه موسيقى الشعر، عندما يتحدث عن تصنيف حروف الروي الأكثر ورودا في الشعر [1] .
نلاحظ حروف الروي الأكثر تكرار في الملحمة هي النون ”في المحور وردت 72 مرة، ثم الميم 14 مرة، ثم اللام 11 مرة، ثم الراء 9 مرات“، وهكذا الحروف التي وردت مرة واحدة متسقة مع كلام الدكتور إبراهيم أنيس.
سيطرة الروي الساكن المردوف ”ساكنين عروضيا“ فقط مرة واحدة، ساكن غير مردوف ”المنتشر“. وكما ذكرنا في القافية المحورية الياء والنون، أن القافية عبارة عن إعطاء حرف المد مداه، ثم قطعه بالحرف الصامت الساكن. وهو خلاف المشهور كما يذكر الدكتور إبراهيم أنيس: أن القافية المقيدة ”الساكنة“ في الشعر العربي قليلة أو نادرة [2] .
كرر الشاعر بعض القوافي - الروي - في مربعتين متتاليتن مثل المربعة 8 و 9، والمربعة 40 و 41.
خلو الملحمة من الروي المضموم وهو ما يدعو للاستغراب، فهل ما ذهب إليه البعض في أن الضم ”حركة تشعر بالأبهة والفخامة“ [3] . وهو ما لم يرده الشاعر في قصيدته الطويلة التي تمثل مصاب الإمام الحسين، فاتجه نحو الأسهل في النطق الذي يوحي بالوصول إلى منتهى الحزن من خلال ”الساكن“.
يبقى سؤال سنجيب عنه في المقالة القادمة، وهو هل استفاد الشاعر من التنوع على المستوى الصوتي في الانتقال في المعاني والأفكار؟
،،، انتهى،،،،