آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 7:35 م

أفعالهم عكس أقوالهم

سلمان العنكي

البعض ينصب نفسه واعظاً للآخرين، مبلِّغاً، هادياً، الحكم تخرج منه تباعاً ”تخاله لقمان المذكور في القرآن الكريم“، وينسى أفعاله. يوصي بالجيران ”الجار ثم الدار“، ومعادٍ لهم بسبب موقف سيارة وبرميل قمامة. ينادي كل مساء وفي الصباح: ”بروا آباءكم يبركم أبناؤكم“، ”رضا الله من رضا الوالدين“، ويستكثر عليهم السّلام. لازمان خلت فضلاً عن أن يقضي لهم حاجة.

”إحدى الأمهات تسكن محافظة القطيف علمها عن ابنها الوحيد أنه في مدينة الدمام، من عشر سنوات لم تره ولا سمعت له صوتاً.“ هذه حقيقة لا تستغرب ولا تسأل عن الأسباب فهي أعجب وأعجب.

وآخر من ثلاث سنوات وأكثر لا يدري عن حال أمه طريحة الفراش، بينه وبينها دقائق معدودة مشياً على الأقدام ”إلى أن توفيت“.

هناك من يحرّم لحوم المطاعم وكبدة البوفيهات، لكنه يتسلط على التركة بكاملها بقوة الأنا أو بحجة مصطنعة، ويمنع أصحابها حقوقهم وفيهم المملق. يستولي على ميراث أخته مع حاجتها الماسة، حتى إذا ما أصيب بداء استعصى علاجه وأحس بقرب الأجل استعطفها الإباحة باكياً، والأولى أن يذكر نصيبها المأخوذ قهراً ويرده إليها.

أو يدعي أن له حقاً عند زوجها من أربعين سنة، وهذا مقابل ذاك ”ما ذنبها المسكينة إن صدق في دعواه، عليه مطالبة الزوج إن كان حياً، وإن مات فحقه في تركته.“

يدعو لصلة الأرحام وقطيعتها تقصر الأعمار ”قطع الله رحمته عمن قطعها“، وهو أول القاطعين في الرخاء فكيف لو أصيبوا بشدة؟

يقول: ”إياكم وأكل الحرام، إنه زقوم يغلي في البطون“. البقال والخضار والجزار يطالبونه. موصل أولاده للمدارس ومعلمهم دروس التقوية لم يعطهم حقهم مع مطالبتهم له بها مراراً حتى عجزوا. يطعم الطعام طلباً للأجر والثواب ظاهراً المزيف، باطناً والدليل يحول الحول دون سداد قيمة ما أطعم.

أعمال وخدمات قدمت له، مستحقاتها عالقة في ذمته إلى الأيام الأخيرة من عمره، فإما نكرانها أو طلب المصالحة عليها. وبعد موته، ورثته يحاولون تسويتها مناصفة مع القدرة في الحالتين على دفعها بالكامل في وقتها، لماذا؟

يحث المجتمع في المجالس على حسن العشرة مع الأهل والأولاد ”عاشروا بالمعروف“، والجحيم أرحم لزوجته من أفعاله. أولاده محرومون من عطفه وحنانه، يتمنون فقده أو الفرار منه ”حالات موجودة“.

يختلف مع شخص لا يعجبه قوله أو حسداً لنعمة أصابته، يحرض عليه بنميمة وغيبة وبهتان بحجة التحذير من التعامل معه.

صاحب مقدرة، يطرق بابه المسكين والفقير وذو الحاجة يعلم بصدقه، يعتذر عن مساعدته، وأيامه أسفار وترفيه وصرف دون حاجة.

يخون القائمين على خدمة الجمعيات الخيرية، وليس عضواً ولا مشاركاً فيها ومن غير دليل إثبات، ليتباهى بنصرته للمظلومين كما يزعم، وهو كاذب.

هناك الكثير ولكن أكتفي حتى لا أطيل. نحن ندعي موالاة أهل الحق. أهذه أخلاقهم وتعاملاتهم؟ ذممنا لها علاقة بهم؟ أم راضون بها؟ بالتأكيد لا.

إذاً كيف بنا لو كنا لغيرهم موالين؟ في الواقع هم أبرياء منا ومن أعمالنا. ولكن علينا أن ننتبه لما نقول ونعى ما نفعل، لا نجهل أو نستجهل غيرنا، ظناً أنهم يصدقوننا ويتفاخرون بنا، هذا غير صحيح. إنها أمراض نفسية يجب التخلص منها، تصغرنا، تقلل مكانتنا، وتعيب عقولنا ونحن غافلون.

ينسب لأبي الأسود الدؤلي أو لغيره باختصار:

يا أيها الرجل المعلم غيره
هلا لنفسك كان ذا التعليم

ابدأ بنفسك فانهَها عن غيّها
فإذا انتهت عنه فأنت حكيم

فهناك يُقبل ما تقول ويهتدى
بالقول منك، وينفع التعليم