آخر تحديث: 6 / 10 / 2024م - 9:39 م

رحيل أحد أعضاء مدرسة الشيخ «عبد الخالق» الإبداعية في جزيرة تاروت

جعفر العيد
  • الملاّ احمد الوحيد أحد المجددين في الخطاب الحسيني في القطيف والأحساء
  • لبس العقال ليس ظاهرة اجتماعية في القطيف بأجمعها.

جزيرة تاروت هي من المناطق الخصبة والولادة لكثير من الطاقات الإبداعية، وكما اشتهرت بكثرة الفنانين التشكيليين، والشعراء، فلقد اشتهرت أيضا بولادة مجموعة من الخطباء الحسينيين، الذين كتب الله على أيديهم التجديد في صورة الخطاب الحسيني، الذي تغير في فترتهم من حالة إلى حالة أخرى.

نحن لا نعلم عن العوامل والأسباب التي ساعدت هؤلاء الفطاحل على النهوض بصورة الخطاب الديني، بلا شك أن العمق التاريخي لجزيرة تاروت مثلها مثل شقيقاتها في منطقة القطيف له تأثيره، كما أن وجود التحفيز والتشجيع المعنوي والديني والأخلاقي ”أكثر من المادي“ كان له الدور الأكبر في هذا التغيير.

وحسب ما أفهمه ويقاسمني بعض المتابعين والمراقبين الذين شهدوا هذه الانتقالة في الخطاب الحسيني لخطباء جزيرة تاروت، كظاهرة من ظواهر التغير الاجتماعي التطوري ”وليس النكوصي“ يمكن أن نقول إنه مرّ في مرحلتين بمستوى جيلنا الحالي، والجيل الذي سبقنا من الآباء.

مجددوا الخطاب الديني في الفترة التقليدية الممتدة ”من 1300 هج إلى 1400 هـ“

المرحوم الملا عبد علي الصفار1/ الملاّ عبد علي بن أحمد بن علي بن محمد الصفار فردان التاروتي، المتولد في العام 1311 هـ  بجزيرة تاروت ”الديرة“ وتوفي في العام 1376 هـ في القطيف.

خطيب شهير، مفوه، ومؤثر، أخذ شهرة كبيرة في المنطقة وهو أحد أفراد أسرة آل الصفار الفردان المعروفة بعلميتها على صعيد منطقة ”تاروت، القطيف، البحرين.“

ساهم في بناء مجتمعه سواء بالخطابة أو بمحاولات إصلاح ذات البين، وبالرغم من شهرته وصيته كان يتحلى بالبساطة والتواضع للناس، لقد حاول الكثير من شخصيات وعلماء المنطقة إقناعه بلبس العمامة، لكنه رفض ذلك بشدة، وكان الخطيب المعتمد بحسينية بن جمعة، في حي الديرة بتاروت، يوم كانت ”الديرة“ تعج بالسكان.

كان يقرأ بشكل مستمر في منطقة العوامية، سيهات، القطيف، يعتبر الخطيب الرئيسي في الخطابة المصاحبة لتمثيل مصيبة الإمام الحسين في يوم العاشر من المحرم في حسينية بن جمعة بتاروت، وفي مناسبة أربعينية الإمام الحسين في مسجد الخضر بجزيرة تاروت، يدخل الممثلون لتمثيل مصيبة الإمام الحسين .

2/ الخطيب الشهير الملا عبد الله الحجاج، سليل أسرة الحجاج العلمية، صاحب صوت جوهري، وذاكرة قوية، وكان من الخطباء المميزين في حفظ القصائد الصعبة والطويلة، إضافة إلى صفاته الحميدة ونفعه للكثير من الناس، يقول عنه الملا أحمد الوحيد أنه أحفظ الخطباء في زمانه للقصيد، والكتب المختصة في سيرة أهل البيت في جزيرة تاروت.. يذكر أنه توفي في العام 1394 هـ .

مجددوا الخطاب الديني في الفترة المعاصرة الممتدة ”من 1370 هـ إلى وقتنا الحاضر“

وهنا يمكننا ذكر الخطيب الحسيني الملا أحمد الوحيد، ومعه مجموعة من الخطباء الذين يعتبرون من الثلة المباركة التي كان على يدها، تصحيح، وتجديد الخطاب الديني الحسيني.

المرحوم الملا أحمد الوحيدالخطيب المفوه الملا عبد الله المبشر يأتي على رأس قائمة الحفظة، والمطورين للخطاب الحسيني، فعلى يديه رحمة الله عليه، بدأنا نسمع بمصادر أخرى غير الذي كان يعتمد عليها الخطباء التقليديون، وطريقة الوضع، والنصح، والنعي كلها أدخل عليها إجراءات جراحية، وكذلك يأتي ذكر المرحوم الخطيب الحسيني الملا خليل أبو زيد، وكرت مسبحة الخطباء المحدثين إن صح التعبير، ومنهم الخطيب الملا عبد الرسول البصارى، الملا محمد المسيري، المرحوم الشيخ الملا جمال الخباز، والمرحوم الملا أحمد العسكري، والملا حسين الفضل، والملا أحمد الوحيد.

هؤلاء وغيرهم ”قد أكون أغفلت ذكر أحد من الخطباء“ كانت على يدهم انتفاضة التغيير الواعد لهذه المجتمعات، فقد كانوا يتميزون بذاكرة قوية، وبداهة حسية، وحب للعلم، والمطالعة والتجدد.

المرحوم الملا أحمد الوحيد كان قدوة، فمن صغره، غير معلمه، وحفظ القرآن، وتعلم وعلم آخرين رحمة الله عليه.

وبوفاته يوم الثلاثاء 28 / 10 / 1445 هـ نكون قد فقدنا ركناً مهماً من مجموعة الخطباء المحدثين، أو الحداثيين في هذا الوقت.

المؤثرون / مدرسة الشيخ علي إبراهيم آل عبد الخالق بجزيرة تاروت.

هناك أكثر من جهة كانت مؤثرة في مسيرة الخطيب الحسيني المرحوم الملا أحمد الوحيد يمكن أن نشير إلى بعضهم حسب ما توصلنا إليهم.

من هؤلاء المؤثرين في حياته ”المعلم / عبد الكريم الطويل، المعلم / محمود آل درويش، المرحوم الملا عبد الله المبشر، والمرحوم الملا خليل أبو زيد“ رحمة الله عليهم أجمعين.

أما قصة تأثير الشيخ علي إبراهيم آل عبد الخالق فله قصة أخرى.

ولا نخطئ القول إذا ما اصطلحنا على تسمية كتاب المعلم الشيخ علي إبراهيم آل عبد الخالق مدرسة.

فالشيخ آل عبد الخالق يختلف عن غيره من المعلمين من حيث العلم والتشجيع، وطرح الإشكالات الدينية واللغوية، إضافة إلى أخلاقه الجميلة الرائعة، لأن هذا المعلم لم يكن معلماً عادياً، بل كان له بصمة وتأثير على طلابه وكل ذلك كان يتم بالأخلاق والتعامل الحسن، في نفس الوقت نقول إنه حظي بطلاب مميزين، وبلغة أخرى دعنا نقول إن طلابه كانوا مجموعة من الطلاب الموهوبين، فقد اعتنى بهم، وقربهم إليه، كان لا يأكل الطعام الا مع طلابه يسأل عنهم، يتفقد أحوالهم، مع إدراكنا بأن الوضع المادي في ذلك الوقت لم يكن جيدا... هذه العناية جعلتهم أخوة متحابين يتعلمون يحفظون... كان منزله في بيت الحاج مكي آل حماد في الديرة، ولقد ذكر الخطيب الملا أحمد الوحيد معلمه بكل احترام، وذكر أنه استطاع أن يكسبهم، ويعتني بهم رحمة الله عليهم أجمعين.

وهذا المجلس كان عامراً بمريدي العلم، وليس هناك حالة نخبوية، فالمرحوم الملا حسن مغيزل كان يحضر هذا المجلس، وكذلك المرحوم الحاج إبراهيم الصفار، والمرحوم الحاج علي المحروس، والمرحوم الملا حبيب عمارة، والمرحوم الملا علي آل حبيب وآخرون.

قصة لبسه للعقال على الغترة:

لم يحول لبس العقال إلى ظاهرة عند الخطباء، ولا عند المجتمع القطيفي.

لا يمكن إطلاق كلمة ظاهرة اجتماعية على حالة، ما لم توفي هذه الحالة شروط الظواهر الاجتماعية، كما تقررها العلوم الاجتماعية وهي باختصار ”المكوث لفترة زمنية معتد بها، الانتشار الواسع للظاهرة في المجتمع، عدم قدرة الأفراد على تحديها، بمعنى.. أنها تمارس حالة القهرية على الأفراد“.

لم تكن حالة لبس العقال لدى خطباء المنبر الحسيني ظاهرة اجتماعية، ناهيك عن أن لبس العقال ليس مشهورا في القطيف قاطبة، فلا يمكن اعتبارها ظاهرة، فمن المعروف أن خطباء منطقة القطيف وقسم كثير من خطباء المنبر الحسيني يلبسون الغترة بدون عقال، أو أنهم يرتدون العمامة، وكانت مجموعة من خطباء دولة البحرين يرتدون عقالاً متيناً يسمى الشطفة، وهي تختلف بالكامل عن العقال الحديث.

وعندما سئل المرحوم أبا ياسر ”الملا أحمد الوحيد“ عن حالة لبسه العقال قال: ينبغي أن يكون الخطيب حسن المظهر أولاً، والسبب الآخر ”من وجهة نظري“ أنه عمل أستاذاً في معهد النور للمكفوفين في القطيف، وكمظهر من مظاهر المعلمين لابد وأن يرتدي العقال، هذا لا يعني ”أبداً“ أنها تحولت إلى ظاهرة، كما أشارت بعض وسائل الإعلام المحلية، ولا يمكن لأي شخص أن يقرر هكذا أن هذه ظاهرة اجتماعية في منطقة القطيف، بل هي كانت حالة فردية، ومعها حالة فردية أخرى فقط في تاروت.

إن لبس العقال ليس حراماً، وليس معيباً، لكننا ومن باب التخصص لا يمكن اعتبارها ظاهرة اجتماعية، ناهيك أن لبس العقال لم يكن مشهوراً لبسه في مناطق القطيف قاطبة.

الملا أحمد أكبر من خطيب:

المساندة والتحديات وراء بروزه ورفاقه:

النبوغ المبكر، والإعاقة المبكرة، خلقت من الملا أحمد الوحيد ”أبا ياسر“ شخصية فريدة، فلقد حفظ القرآن الكريم في سن مبكر، ويلاحظ من سيرته أنه تغير من معلم إلى آخر، فهو كشخصية موهوبة، وشخصية معاقة تحتاج إلى مراعاة، وتعامل خاص، فهو يحمل في داخله رهافة حس الموهوبين، ودقة ورقة حساسية المعاقين، وبالتالي فإن مثل هؤلاء يمكن أن يحملون الفرادة في شخصياتهم، فلا غرابة من تغيير معلم إلى معلم آخر، ولا غرابة أن يستقر في الأحساء مع أنه كان راحلاً إلى الكويت.

يحفظ من الشعر الكثير إلى درجة أنه يمكن أن يسرد عليك قصيدة مكونة من مئة بيت ”100 بيت“ في جلسة واحدة كما أخبرني بذلك الخطيب الشيخ أحمد القطري أحد أصدقاء المرحوم أبو ياسر ومجالسيه.

نمى لدى نفسه هواية اقتناء بعض الساعات التراثية، وله معرفة واسعة بالأحجار الكريمة يبيع ويشتري فيها، وكيف يعرف ويقيم ويشتري ويبيع في هذه الأحجار وهو كفيف البصر، قام في جزء من حياته برصد المتوفين من أهالي جزيرة تاروت والقطيف، ”تاريخ الوفاة، سبب الوفاة، مكان الوفاة، لقنه فلان، قرئت فاتحته في المكان الفلاني، قرأها فلان الفلاني“، إضافة إلى أنه أجرى مجموعة من المقابلات الهامة مع شخصيات فريدة، ولقد علمت أنه أجرى مقابلة مباشرة مع جدي لوالدتي المرحوم المعلم محمد صالح الصفار الفردان، ومع أنه من مواليد جزيرة تاروت إلا أنه قرر الانتقال إلى الأحساء في العام 1387 هـ واستمر يقرأ فيها إلى العام 1441 هـ .

درس في النجف الأشرف في العام 1388 هـ اللغة العربية على يد العلامة الشيخ حسين العمران، ودرس الفقه على يد الشيخ منصور البيات إلى فترة متأخرة إلى أن انتقل العلامة الشيخ منصور إلى عفو الله ورضوانه رحمة الله عليه.

فالخطيب الحسيني المرحوم الملا أحمد الوحيد ”أبا ياسر“ هو أقل من شيخ، وأكبر من خطيب، ولو كان ثمة شيء أكبر من ذلك لما تردد الملا أحمد من اقتحامه.