آخر تحديث: 16 / 6 / 2024م - 4:10 ص

من سيفوز بالرئاسة الأمريكية؟

يوسف مكي * صحيفة الخليج الإماراتية

رغم أن المسافة الزمنية ليوم الانتخابات الرئاسية الأمريكية، لا تزال تفصلنا عنها قرابة سبعة أشهر، لكن ذلك لا يمنع من تقديم قراءة أولية، حول النتائج المرتقبة لها. وهي نتائج تستند إلى ما هو متوفر من معطيات اللحظة الراهنة، وقابلة للتغير، مع تغير المعطيات.

الموعد المحدد ليوم الانتخابات الرئاسية، هو اليوم الخامس، من تشرين الثاني/ نوفمبر. وتسبقه إجراءات تمهيدية، داخل الحزبين المتنافسين، الجمهوري والديمقراطي، حيث يحدد كل منهما في مؤتمره، مرشحه الرئاسي، وحين يفوز أي مرشح، بالمقعد البيضاوي، بدورة أولى، يكون هو مرشح حزبه، من غير منافس للدورة الثانية.

ذلك يعني، أن المرشح الرئاسي للحزب الديمقراطي، سيكون الرئيس الحالي، جوزيف بايدن. أما مرشح الحزب الجمهوري، فإن كل المؤشرات تشي بأنه سيكون الرئيس السابق، دونالد ترامب، ما لم تحدث مفاجآت، تغير من صورة المشهد الراهن.

وعلى هذا الأساس، فإن تحديد من سيصل للبيت الأبيض، سيتركز على البرنامج الانتخابي، لكلا المرشحين. وهذان البرنامجان، لا يستندان إلى اللحظة الراهنة فقط رغم أهميتها، وإنما إلى قراءة البرامج التقليدية للحزبين المتنافسين.

ولن نأتي بجديد، حين نشير إلى أن الحزب الجمهوري، هو تاريخياً، ممثل الأوليجارشية الأمريكية، في حين يمثل الحزب الديمقراطي، الطبقة المتوسطة، العمود الفقري للاقتصاد الأمريكي. والتنافس بينهما يبدو تبادلياً، ويرتبط على الأغلب بالمستوى الاقتصادي الذي تعيشه البلاد. فحين تعاني كساداً اقتصادياً كبيراً، يكون مطلوباً وصول رئيس ديمقراطي، يحقق برنامجه إنعاشاً اقتصادياً، وينقل البلاد من حال إلى حال.

والعكس بالعكس أيضاً، فإن وصول رئيس ديمقراطي للبيت الأبيض، وبقاءه لدورتين رئاسيتين، من شأنه أن يرفع نسب التضخم، بما يفوق قدرة المواطن الأمريكي العادي على تحمله. فترتفع أسعار المنازل والإيجارات، بشكل كبير، ويصبح مطلوباً وضع حد للتسارع الجنوني لحالة التضخم، ويكون الناس أكثر قبولاً لانتخاب المرشح الجمهوري، وهكذا تسير الأمور في دورات متعاقبة ومستمرة، في تنافس محموم بين الحزبين، للوصول إلى الموقع الأول.

لا يهتم المواطن الأمريكي، بما يجري خارج بلاده من أحداث سياسية، إلا بقدر تأثيرها الاقتصادي المباشر، على معاشه وأحواله، واتجاهات أموال الضرائب التي يدفعها.

تساعد هذه المقدمة، على التنبؤ بأي من الحزبين، سيكون أكثر حظوة في الوصول للبيت الأبيض بالانتخابات القادمة. وتشير هذه المؤشرات، إلى أن نصيب بايدن، بدورة رئاسية ثانية، لا يزال، أكبر بكثير من نظيره ترامب. فالتضخم الاقتصادي، بالولايات المتحدة لم يبلغ المدى الذي يشكل فيه صعوبة كبيرة، على حياة الأمريكيين.

يضاف إلى ذلك، أن سياسة العزلة التي تبنّاها الرئيس السابق، ترامب، تحت شعار أمريكا أولاً، أضرت بالمصالح الأمريكية، وبشكل خاص بالقارة الأوروبية، وتحديداً بأوروبا الغربية، التي باتت حليفاً وشريكاً أول للولايات المتحدة، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

وإذا أخذنا بالاعتبار، أن كل شيء مباح، في التنافس الانتخابي، فإن سجل ترامب الشخصي، يجعل توجيه السهام نحوه، أسهل بكثير من توجيهها لنظيره، بايدن. والأمريكيون لا يزالون، يتذكرون، هجوم أنصاره، إثر فوز بايدن بالانتخابات الرئاسية السابقة، على مبنى الكونجرس الأمريكي. وهناك الكثير، من القضايا التي جرت محاكمته عليها، بعد خروجه من البيت الأبيض. ولا يهم في هذه الحالة، نتيجة تلك المحاكمات، وقد باتت جزءاً من سجل حياته، ولن يعني تنصله منها الكثير، أثناء الحملة الانتخابية القادمة.

على الصعيد الخارجي، فإن القضية الأكثر اهتماماً الآن، على المستوى العالمي، هي أحداث الحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة. وقد باتت تأخذ حيزاً كبيراً من اهتمام الأمريكيين، وحلفائهم الأوروبيين. ورغم أن الرئيس الأمريكي بايدن، قدّم كل وسائل الدعم العسكري والسياسي واللوجستي لإسرائيل، فإنه بعد مضي سبعة أشهر على حرب الإبادة الإسرائيلية، بحق الفلسطينيين، بات يمسك العصا من الوسط.

فهو من جهة، يؤكد ضمانه لأمن إسرائيل، وتعزيز قوتها العسكرية وقبتها الحديدية، ومن جهة أخرى بات في الأيام الأخيرة، يؤكد سلامة المدنيين الفلسطينيين، ويعارض احتلال إسرائيل لمعبر رفح، الذي يضم أكثر من مليون لاجئ فلسطيني، نزحوا من شمال ووسط غزة، هروباً من آلة القتل الإسرائيلية.

والأكثر من ذلك في سياسة بايدن الجديدة، هو إعلانه الصريح بالامتناع عن تزويد إسرائيل، بالذخيرة الحية، وإشارته إلى أن السلاح الأمريكي، قد استخدم فعلياً لقتل المدنيين الفلسطينيين.

صحيح أن لغة بايدن، لا تزال مرتبكة، وغير حاسمة. فهو من جهة يعترف بقتل إسرائيل للمدنيين، ومن جهة أخرى، يشير إلى أن ذلك محدود جداً، ولا يقبل بتوصيفه بحرب الإبادة. وربما هدف من هذه التصريحات، إرضاء كل الأطراف، بما يجعل من حملته الانتخابية القادمة سهلة وميسرة. فهو من جهة يرضي الناخبين العرب والمسلمين، والمناصرين للقضية الفلسطينية، برفض الهجوم على رفح، ومن جهة أخرى، يرضي المناصرين لإسرائيل، بمواصلة تعهده بحماية أمن إسرائيل، ودعمها بما تحتاج إليه من السلاح «للدفاع عن أمنها».

يبقى أن نقول، إن هذه القراءة، هي ضمن المعطيات الراهنة، وربما تكون الأيام القادمة حبلى بالمفاجآت، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار تقدم بايدن بالسن، والمشاكل الصحية التي يعانيها، واحتمالات بروز أمور جديدة، في الأحداث الجارية في غزة، وعلى المستوى الإقليمي والدولي، وليس علينا سوى الانتظار.