آخر تحديث: 4 / 5 / 2024م - 10:54 م

السعادة كائنٌ حَيّ

ليالي الفرج * مجلة اليمامة

يبحث الإنسان عن كل مقام يسعده، ويتحاشى كلّ ما ينفر منه طبعه أو لا يأنسه مزاجه، وهو ما يحاول هذا الإنسان استدامته، ويحرص على تأكيد ارتباطه النفسي بأجوائه في كلا بعديه؛ القصدي أو العفوي.

هذه الحالة التي تبحث عنها الشخصية الإنسانية، تشكّلها مجموعة واسعة من الأسباب التي تبدأ بالجوانب الوجدانية العميقة وسط كيمياء تواصلية نشطة وذات أدوات تتعامل مع المشاعر وفق نظام إحساس فائق الذكاءات العقلية والوجدانية والاجتماعية.

ومن جهة أخرى، تظهر براعة الإدراك الإنساني سواء في دورها المنطقي أو في مستوى تجاربها المعرفية التي تراكمها الخبرات المتنوعة لدى هذا الكائن الباحث عن تحقيق ما يمكنه من الاشتراطات التي يحتاجها لأجل الوصول إلى أوسع مساحة من عوالم السعادة الإنسانية.

إنّ مفهومًا بهذا الحجم الهائل وبهذا التركيب الواسع المتمثل في مفهوم السعادة، لا بدّ وأن يختلف الناس على تعريفه فيما يكون هو الشغل الشاغل لدى كلّ منّا، على امتداد المعمورة.

ولعلّ مثالاً كان يومًا في مدار التداول المدهش بين أفياء شبكة الإنترنت، وظهر كاستفهام تقريري بصياغته السهلة والجاذبة؛ حيث كان السؤال، منْ أَسعدُ الناس، ليأتي الجواب سريعا، منْ أسعدَ الناس.

ولا يمكن أن يمرّ يوم بأحدنا دون أن يسمع تحية صباح أو مساء، تتخللها إحدى صيغ الدعاء، أسعدَ الله صباحكم أو مساءكم أو أيامكم؛ ببركات الأدبيات الرافدة التي تكتنزها قيم السماحة والتواصل الإنساني في ثقافتنا الإنسانية خلال محتوى أخلاقي لافت يشكله المحتوى الديني في ثقافتنا الإسلامية الأصيلة.

هذا الحرص على أن يحقق أحدنا سعادته الشخصية، لا يمكن إلا أن يكون عبر سعادة جمعيّة تمثلها العائلة أو الأسرة وكنتيجة يتحقق مفهوم الأسرة السعيدة والمجتمع السعيد.

الطريق إلى هذا الحال السعيد يعني توظيف طاقة البناء النفسي والاجتماعي في دواخلنا ضمن رؤية تحمل أهدافها الإستراتيجية الرصينة وات منهجية تمثلها مضمون الرسالة الإنسانية الزاخرة بالخير والرافدة للقيم.

فالسعادة التي يفهمها البعض بأنها امتلاك للمال وانشداد إلى الكسب المادي على حساب سلامة المحيط الأسري أو المجتمعي، فهذا هو قلب لميزان الوسائل والغايات؛ إذ لا يمكن أن تكون الغاية مساوية للوسيلة، والماديات هي وسائل لتحقيق غايات عُليا وأهداف نجيبة، تتميز بالمحتوى الإسعادي للفرد والعائلة والمجتمع.

وكمثال آخر، يعيش بعضنا حالة ارتباط بالعمل الوظيفي أو المهني أو التطوعيّ إلى درجة ينسى من حوله من أبناء وزوجة وأقارب ومناسبات اجتماعية، وكأنه في حالة غيبوبة عن الحسّ العائلي أو المجتمعي، مكتفيًا بتوفير جوانب الحياة المادية أو الجهد التطوعي وغائبًا عن أدواره الأخرى.

مثل ذلك كثير، والواقع يكشف أنّ كثيرين يفهمون السعادة بتعريف مُشوَّه، بينما الأمر في أعلى مستويات الحاجة إلى فهم منهجيّ تؤسسه محتويات الحياة الأسرية، ويرشد التعليم العام إلى معرفته التطبيقية إلى مستوى إدراكي عال.

وإذا صار مفهوم الحياة الرقمية، بمفاعيلها التكنولوجية الواسعة والمتسارعة، يضخّ مفاهيم التعليم الذكي والمدرسة الذكية والمركبة الذكية والمنزل الذكي وصولًا إلى معالم المدينة الذكية والبلدان الذكية، كتعبير عن سيطرة معالم التكنولوجيا الرقمية التي لن تنتهي بالعملة الرقمية والذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء وكمبيوتر الكوانتم، فإنّ ذلك بأجمعه، يأتي ضمن أطر الوسائل لا الغايات.

ولهذا وغيره، فإنّنا بين نظم الحياة الرقمية، نحتاج أن نصل إلى تحقيق معالم العائلة السعيدة والمجتمع السعيد؛ لتكون السعادة كائنًا حيًّا في أعماقنا وبين أرجاء حياتنا، ونبقى نعانق السعادة بوجود وعي يحرص على استمرار دورة الحياة لهذا المفهوم، ممارسةً وتطبيقًا، لا فَذلكةً ولا إسفافًا أو استعراضًا.

كاتبة رأي في صحيفة الشرق السعودية
شاعرة ومهتمة بترجمة بعض النصوص الأدبية العالمية إلى العربية ، ولها عدَّة بحوث في المجال التربوي.