ترسيم حدود
بعد ليلة مناوبة مضنية، أُطفئُ الأنوارَ وأتأكد أن التنبيهات على الوضع الصامت كما أتوق لذلك دائما، أستيقظ في الثانية بعد الظهر لأجد ثلاث رسائل في برنامج الواتس آب، إضافة إلى مكالمتين من نفس البرنامج واتصال، جميعها من رقم واحد، ظننت أن حدثًا جللًا وقع أو أن حربًا قادمة قد تهدد حياتي وحياة عائلتي، أضأت هاتفي، إذا بها رسالة تسأل عن رقم إحدى الصديقات.
تذكرت قول الروائي والكاتب المسرحي الفرنسي جان كوكتو: إن اللباقة هي معرفتنا إلى أي حدٍّ نذهبْ حين نتجاوز الحدود.
معظم البشر يعرفون حدود دولهم جيدا، لكن ماذا عن الحدود الشخصية والضوابط الطبيعية التي تحفظ حقوق الناس في الأماكن العامة والخصوصية في منازلنا، مكاتبنا المغلقة، كثير من الأشخاص يجهلونها أو يتجاهلونها.
يقال إن حريتك تنتهي عند حدود الآخرين، لكن هناك شخصيات استغلالية، تهدف إلى إسقاط تلك الحدود التي هي من حقك، تستبيحها وتقوم باقتحامها دائما بمبرر أو دون مبرر، لذا، عليك أن تجعل حدودك الجسدية والعقلية والعاطفية والروحية واضحة للآخرين، بشكل جلي حتى تحمي قلبك وعقلك ووقتك وجسدك من هؤلاء.
بداية بالحدود العقلية أو الذهنية: وهي تمثل المسافة التي تحتاجها بينك وبين الآخرين، فيما يخص أفكارك وآراءك في العلاقات المختلفة.
أما الحدود العاطفية: هي المسافة بينك وبين الآخرين فيما يخص مشاعرك وأحاسيسك، والحدود الاجتماعية فيما يخص مشاركة الأنشطة الاجتماعية والتجمعات، وهناك الحدود الروحية المتمثلة في المعتقدات الدينية على سبيل المثال.
أخيرا: حقيقةً، يغمرني الشعور بالرضا حيال جميع الاحترازات بعد جائحة كوفيد والتي أعادت تشكيل مفهوم الخصوصية في عالمنا، خصوصا في الأماكن العامة.
ويبقى التحديق الذي أتمنى أن يجدوا له حلا، وهو أسوأ مظهر من مظاهر اختراق الحدود الشخصية، ما لم يكن كقول الشاعر الشريف الرضي:
هامت بك العين لم تتبع سواك هوى
من أعلم العين أن القلب يهواك.