كشف أحمد المسحر ”أبو مجيب“، أحد أقدم مسحري المنطقة الشرقية، عن الكثير من القصص الطريفة والغامضة، خلال ممارسته المهنة على مدى أكثر 70 عاما، في تاروت بمحافظة القطيف، أبرزها عندما كان طفلا يرافق والده في جولاته للسحور، صادفتهما ”سعلوة“، إلا أنها اختفت عند اقترابهما من المنزل.
وقال أنه رأى سيدة تمشي خلفه، منذ لحظة خروجه من المنزل، وحتى عودته، دون أن يراها أحد سواه، وأخرى تمشي بين النخيل، مضيفا أن وسائل الاتصال والأجهزة الذكية تسببت في تراجع دور المسحر عما كان عليه في السابق، وإلى نص الحوار:
كيف بدأت العمل في المهنة؟
ورثت هذه المهنة عن والدي، عندما كان عمري 15 عامًا، لأواصل مسيرة العائلة التي تتوارث المهنة منذ 200 عام تقريبًا.
وكيف تستعد لاستقبال رمضان؟
يزداد شغفي بالمهنة مع حلول شهر رمضان المبارك، فأعمل على تنظيف الطبلة استعدادًا لاستعمالها في الليلة الأولى، وعندما تحين الساعة الثانية فجرًا، أخرج من منزلي حاملًا طبلتي، وأقرعها بعصا خاصة.
كيف تصف شعورك وأنت تجوب الأزقة في ليالي رمضان؟
هو شعور لا يوصف بكلمات، فرحةٌ عارمة تغمرني وأنا أطوف بين الأزقة، أُنيرُ عتمة الليل بنورٍ من الأمل والبهجة، يملأ قلبي شعورٌ بالمسؤولية تجاه إحياء هذه العادة الجميلة، ونقلها للأجيال القادمة، وكل أملي أن ترجع بي السنوات الماضية.
وما هي أجمل لحظات عملك؟
هي تلك التي أرى فيها ابتسامة الأطفال وهم يُرددون معي الأناشيد، وفرحتهم العارمة عند سماع صوت الطبل، شعورٌ لا يُضاهيه شعور، وكأنّني أُعيدُ لهم طفولتهم البريئة، وأُشاركهم فرحة رمضان.
هل هناك اختلافات في طرق إيقاظ النائمين للسحور؟
نعم، كانت الطريقة مختلفة في الماضي عما هو عليه الأمر الآن، حيث كان يعتمد على الصعود على سطح قلعة تاروت، والقرع على الطبل لإيصال الصوت لأكبر عدد من المنازل في الحي الأثري القديم، وكان والدي يرافق جدي وقت السحور لسطح القلعة، إيمانًا منهم بأهمية هذه الخدمة، وكانوا ينزلون من القلعة بعد قرع الطبول، والتنقل بين الأحياء لإيقاظ النائمين، وكانت جولتهم تبدأ من الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، وتستمر حتى الساعة الثالثة فجرًا.
ماذا عن تقدير الأهالي لهذه المهنة؟
الأهالي كانوا يقدرون الخدمة التي يقوم بها المسحر سابقًا، ويقدمون له الدعم المالي في نهاية الشهر، إضافةً إلى كميات من الأطعمة، أما الآن، فقد تغير الوضع، وأصبح المسحر يقوم بهذه الخدمة لاستعادة الذكريات، والحفاظ على الموروث الشعبي، خاصةً أن الحياة اختلفت تمامًا خلال شهر رمضان، بحيث يتحول الليل إلى نهار والنهار إلى ليل.
هل تعرضت لأي مواقف طريفة خلال رحلة عملك؟
بالتأكيد، واجهت الكثير من المواقف الطريفة، ومنها قصة أحد الأشخاص الذي وضع صفرية جنب رأسه ممدودة بحبل، حتى يوقظه صوتها عند مرور المسحر، وأنه عندما كان طفلاً يرافق والده في جولاته للسحور، صادفتهما ”سعلوة“، إلا أنها اختفت عند اقترابهما من المنزل.
وماذا عن القصص الغامضة؟
في إحدى المرات، رأيت سيدة تمشي خلفي، منذ لحظة خروجنا من المنزل، وحتى عودتنا، دون أن يراها أحد، وفي مرة أخرى رأيت سيدة أخرى تمشي بين النخيل على طول المشوار، إلا أنها اختفت قبل الوصول إلى منزل.
كيف تمارس المهنة حاليًا؟
عبر ترديد أهازيج وداعية لشهر رمضان، ولكن عامل السن يحول دون قدرتي على التنقل بين الأزقة في الأحياء، إلا أنني حرصت على نقل الأمانة ”مهنة المسحر“، إلى أبنائي وأحفادي، للحفاظ على الموروث.
وما هي أبرز الأهازيج؟
أردد بعض العبارات في وداع شهر رمضان، مثل ”الوداع.. الوداع.. يا شهر الله.. وعليك السلام.. يا شهر الصيام.. انقضى الشهر كحلم المنام.. ودعوا يا كرام.. شهر الصيام“.
ومم تتكون طبلة المسحر؟
تتكون من الحطب ”سوسن“، والجلد وطواقة خشب من رمان وحبل، إضافةً إلى حلقتين وقلادة، وتكون مصنوعة من جلد البقر أو الخيل، ولها جهتان، الشمالية للضرب بالعصا، والجنوبية للضرب باليد، ومع تقدم الأيام فإن جلد الطبل يضعف أو ينخرق ولا بد من تجديده.
وماذا عن مواصفاتها؟
يبلغ ارتفاع الطبل نحو 50 سم، ويرفع الطبل باليد اليسرى، ويطرق باليد اليمنى، وتختلف الطريقة من مسحر لآخر، وعادة ما تكون النغمات الصادرة شديدة، للتنبيه على نوعية الإيقاع المستعمل.
هل لديك رسالة للأجيال الجديدة؟
أريدهم أن يعرفوا أنّ التراث الشعبي هو جزءٌ من هويتنا، ويجب علينا الحفاظ عليه، وتناوله للأجيال القادمة، خاصةً أن عادة ”المسحر“ هي رمزٌ للتكافل الاجتماعي والتواصل الإنساني، وهي قيمٌ يجب أن نُرسّخها في نفوس أطفالنا.
ما هي أبرز التحديات التي تواجهك في عملك؟
قلة عدد المسحراتية في الوقت الحالي، فمع التطورات الحديثة، أصبح الناس يعتمدون على المنبهات والهواتف الذكية لإيقاظهم للسحور، لكنّي أؤمن بأهمية الحفاظ على هذه العادة التراثية، فهي تُضفي على شهر رمضان أجواءً مميزة من الروحانيات والتكافل الاجتماعي.
كيف يرى الجيل القديم المسحر؟
تُعد صورة المسحر راسخة في أذهان الآباء والأجداد، فهم يعتبرونه نجم رمضان الذي لا يحلو السحور إلا بصوت طبله، وسماع أهازيجه الجميلة، وقرعه للأبواب بطريقة لا يقرعها غيره، تتميز بالتنبيه لا الإزعاج.
ما هي أمنياتك لشهر رمضان هذا العام؟
أتمنى أن يُبارك الله في هذا الشهر الفضيل، وأن يُعمّ الخير والبركات على جميع المسلمين، كما أتمنى أن تُحافظ عادة ”المسحر“ على رونقها، وأن تُشارك الأجيال الجديدة في إحيائها، لِتظلّ رمزًا للتراث الشعبي الأصيل، ورسالة حبّ وتكافل في شهر رمضان.