توزيعات المناسبات
أضحى أغلب أبناء المجتمع مسرورين بانتشار ثقافة إحياء المناسبات والفعاليات والمهرجانات لكونها تبهج النفس، وتدخل السرور على الأرواح، وتكسر رتابة الحياة، وتدفع الكآبة عن النفوس، وتعزز روح الانتماء الاجتماعي، وتنمي روح المشاركة الفاعلة. إلا أن البعض من الناس، وله الحق في تبني ما يراه هو، متحفظ في الانخراط في بعض تلك المناسبات؛ بسبب ما تتناقله بعض المنصات الاجتماعية عن بعض اللقطات الموثقة بالفيديو من مظاهر التحرش أو الاختلاط اللصيق بين الشباب والفتيات من قبل بعض المراهقين والمراهقات والمتصابين والمتصابيات. فضلاً عن وقوع بعض المناكفات والاستعراضات الكاسرة لحاجز الحياء، والتي قد تنتهي إلى اشتباكات بالأيدي وعنف الاصطدامات والتراشق بالكلمات النابية. من المحتمل أن موضوع الاختلاط غير المحتشم قد تم مناقشته عدة مرات في عدة قنوات فضائية ووسائط اجتماعية وصحف رسمية. وقد نجح البعض بمعالجته جزئيًا في نطاق إحياء محدود أو تجمع معين وأخفق آخرون في ذلك.
معظم لقطات الفيديو المنتشرة في المنصات الاجتماعية للاختلاط غير المحتشم، أو الذي ينتهك بعض القيم الأخلاقية والدينية والاجتماعية، والتي يتناقلها البعض عبر المنصات الاجتماعية هي حوادث فردية أو شبه فردية بالعموم. وحتمًا أثارت تلك الحوادث القلق لدى معظم أرباب الأسر المحافظة والمتعففة. ويقينًا أجبرت تلك الحوادث بعض أرباب الأسر على حجب أبنائهم عن الذهاب لبعض المناسبات والعزوف عن الحضور أو الانخراط في أي تجمع بشري مختلط، سواء افتتاح محل تجاري أو انطلاق أوكازيون سنوي أو توزيعات مجانية دعائية أو... أو... إلخ.
ولله الحمد والمنة، فإنه في معظم الدول توجد قوانين رادعة وزاجرة لمنع أي تحرشات أو إسفاف ضد الآخرين. وتفتيت ظاهرة التحرش أو الاختلاط غير المحتشم بالعموم أمر يقره كل العقلاء في الكون. كذلك رُصد قبالة سوء السلوك في الأماكن العامة حزمة قوانين صارمة في معظم الدول حول العالم. إلا أن ذلك لم يمنع وقوع اختراقات من قبل بعض أصحاب النفوس المريضة. والأسوأ هو أن أصحاب النفوس المريضة يشاهرون بما أقدموا عليه من عمل سيئ بنشره عبر منصات السوشل ميديا طمعًا في الشهرة وحبًا في زيادة عدد المتابعين.
تاريخيًا، هناك مناسبات مبهجة عدة تقام ضمن أطر اجتماعية عفوية للتعبير عن البهجة والسرور مثل مناسبة دخول شهر رمضان والأعياد والقرقيعان والناصفة. وبعض أرباب الأسر يُقدم ما تجود به يده على المشاركين والمشاركات، لا سيما الأطفال، بعض التوزيعات التي قد تشمل حلوى وهدايا وحتى نقود معدودة وألعاب وفرش أسنان وقرطاسية مدارس. إلا أن بعض المراهقين والمراهقات فرضوا حضورهم بالمشاركة والانخراط في تلك المناسبات مع توجه منهم بفرض بصمة مخالفة للعرف الاجتماعي ولروح تلك المناسبة. وأضحى الاختلاط المعيب في بعض الزوايا سمة جاذبة للبعض من المتمردين من المراهقين والمراهقات والمتصابين والمتصابيات. وأنبجس موضوع لم يعتده معظم أبناء المجتمع وهو ما أفضل الطرق لإدارة الاختلاط خارج أطر أماكن العبادة.
وتلافيًا لأي اختلاط غير محتشم بين البنات والبنين أثناء عملية التوزيع للهدايا والعطايا في بعض المناسبات، أقدم البعض من الناس على إحياء بعض تلك المناسبات عبر تفعيل التوزيع المغلق داخل ذات الشارع وبين بيوت أبناء المعارف والأصدقاء في ذات الحي. والبعض الآخر من الناس نجح بضبط الإيقاع عبر أخذ أبنائه وبقيادته كرجل في تجواله بين بيوت بعض الجيران بدل أمهم أو أختهم الكبرى. وكذلك أخذ بعض أرباب الأسر مهمة التوزيع للعطايا والهدايا بدل العنصر النسائي كما كان معهودًا في السابق. والبعض الآخر تبنى التجول المبرمج وفق اتفاق مسبق مع البيوت التي توزع الحلوى والهدايا للأطفال. والسماح لأبنائه بالخروج في المكان والوقت المحدد لمنع ابتلائهم بالاختلاط المعيب أو احتمالية تعرضهم لأي مضايقات.
إلزام العنصر النسائي البالغ بالخروج أثناء انعقاد بعض المناسبات بشكل محتشم وإلزام كل الشباب المراهق بالعفة التامة والابتعاد عن أحداث أي مضايقات أو تحرش قد لا يكون أمرًا ممكنًا بالمطلق كون بعض المتجولات هن نساء يردن العيش بطريقة معينة وكذلك بعض الشباب يريد أن يبرز اختلافه عن الآخرين بأنماط خارج المتعارف عليها. كذلك ورود بنات ونساء من خارج الحي أو من بعض الدول العربية وغير العربية للمشاركة في مناسبات محلية بدافع الفضول والاستكشاف دون التقييد بالعرف الاجتماعي المحلي. وهذا أمر مستجد. ويحتاج إلى بصيرة وحنكة في المعالجة والمناولة.
شخصيًا أرى أنه بالإمكان رفع منسوب الانضباط أثناء إحياء المناسبات وتفادي التداخل بين الطالح والصالح من البشر أو أي مشهد يوحي بعدم التعفف في الحي المحافظ عبر تفعيل خاصية التوزيع الزمني الانتقائي. على سبيل المثال توزيعات القرقيعان يتم انتخاب جدول زمني محدد ومكان محدد يجتمع فيه كل أرباب الأسر مع توزيعاتهم والإعلان بذلك داخل الحي الواحد. على سبيل المثال يتم توزيع الهدايا والعطايا في منطقة الحديقة المجاورة لمسجد الحي على الأطفال قبل وبعد صلاة المغرب مباشرة من ليلة منتصف رمضان «إذا كان الطقس مناسباً» وحتى الساعة 9 مساءً. وقد شاهدت في فترة من الزمن توزيع العطايا والهدايا على الأطفال في ليالي النصف من رمضان حول أبواب المسجد الخارجية بعد صلاة المغرب وحتى الساعة التاسعة مساءً بشكل سلس ومحتشم، ويحافظ على العفة. فهذا الفعل إن تم تفعيله وبشكل مستمر على مدى زمني ممتد سيكون أضبط للأمور وأكثر انسجامًا مع روح إحياء المناسبة ومبهجًا لنفوس الأطفال، ويعلق قلوبهم ببيوت الله وأكثر راحة بال لأرباب الأسر. وحتمًا قد يكون هناك معالجات أخرى في أذهان القراء، ومن الجيد أن نشارك وإياكم وننقح ونفعل الأفضل من الآراء لنترك بصمة طيبة.