آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 3:01 م

عولمة الرمز «الحسين نموذجا»

رائد أنيس الجشي *

وأعني به اخراج الشخصية الرمزية «الحسين من حالة الوصف والتعداد لسيرته التاريخية لجعله رمزا لقيمة ما في نصوص اخرى لا تمس به ولا تتحدث عنه كان يكون اسمه فقط دلالة لسيرته أو سيرته دلالة لاسمه وقيمه.

حين تتحرك دون ذكر اسمه في جسد النص الادبي وتستفيد منه دون ان تشير بشكل مباشر اليه وسأعرض الى انساق الكتابة وانماطها في تناول الشخصية التاريخية منذ القدم حتى اصل الى احدث الانماط المتداولة والتي يبشر بها في الكتابة.

ولا يمكن فصل هذه الأنماط عن بعضها البعض زمنيا لأنها كلها موجودة ومتداولة حتى الوقت الراهن.

وسأركز حول الصورة في صناعة النص واخترت الحسين نموذجا لان اثره على الادب ظاهر في الاف القصائد منذ اكثر من 1300 عام ومازال يتجدد مع كل رأس سنة هجرية جديدة تلك التي تصادف ذكرى مراسم عاشوراء.

1/ ثقافة بصرية / سمعية - نظم السيرة

هذا النمط بدأ مع استشهاد الحسين وعودة السبايا الى المدينة منذ نص بشر ابن حدلم الارتجالي60هجرية:

«يا أهل يثرب لا مُقامَ لكم بها  ***  قُتل الحسينُ فأدمعي مدرارُ
الجسمُ منه بكربلاء مضرَّجٌ  ***  والرأسُ منه على القناة يُدارُ»

ومن الواضح ان ثقافة النص لا تتعدى مسألة المشاهدة الوصفية او السماعية لتسجيل الموقف واشعال العاطفة.

ومازال هذا النمط مستمرا الى الان في القصائد المناسباتية والمنبرية الا انه فقد خاصية التأريخ الأولى واتجه ناحية السرد المنظوم الذي يحاول تحريك المشاعر بشكل عاطفي ويناسب جمهور المنصة حتى دون الاشتغال على الصورة إلا أن الشاعر غالبا لا يسطيع الهروب من التكرار لكثير من السرد المنظوم مع كل نص جديد يكتبه مثل:

«هو الحسين واخته الحوراء   ***  وأبوه حيدر أمه الزهراء»

وهذه النصوص تحافظ على ماضيها ولا تتجاوزه للحديث عن الحاضر او تشير إليه ولا تتجاوز ذات المكان «كربلاء» ونصوص الوقت الحاضرة غالبا ما تكون متأثرة بالأرجوزات الحربية القديمة وان تجاوزتها ونفذت إلى البحور الأخرى أو غلفت ذاتها بأبيات وجدانية وبكائية.

2/ الحسين المعنى /خدمة الأجندة

القصيدة عبارة عن شقين منفصلين تماما، شق يتحدث عن الحسين او عاشوراء ثم قيمة دلالية كرفض الظلم مثلا وشق يتحدث عن أجندة خاصة بالشاعر سياسية مثلا مشابهة للقيمة الني ركز عليها الشاعر مثل قصيدة النواب بين السماوات ورأس الحسين، التي تتناول في مقاطع منه شخصية الحسين وتتكثف الصور جمالا ودهشة بها ومقطع سياسي اخر تخبو به كثافة الصورة لتليق بهدفيته يقول مظفر في روعة الشق الحسيني:

«فضة من صلاة تعم الدخول
والحمائم أسراب نور تلوذ بريحانة أترعتها ينابيع مكة أعذب ما تستطيع
ولست أبالغ أنك وحي تواصل بعد الرسول»

ونص مظفر يتجاوز الأنماط الكلاسيكية الرائج في الاحتفالات الدينية ككليشة لا تتغير كثيرا

«1 - غزل او حكمة ذاتية 2 - الحديث عن الحسين وعاشوراء 3 - الخروج عن الحسين لموضوع سياسي او اجتماعي 4 - العودة الى الحسين مع توضيح قصور الشاعر عن بلوغ الوصف المطلوب لمقام الحسين العالي 5ختم النص ببكائية رنانة» يتجاوزهم ويحافظ على لياقة نصه بالأداء المسرحي وحضوره القوي على المنصة.

3 / الحسين وشخصيات التاريخ

والنص هنا قائم على المقارنة مع الشخصيات المؤثرة تاريخيا مثل الانبياء والرسل، كتشبيه الحسين بالنبي يحيى لان كليهما قطع رأسه من قبل عدوه أو بالنبي موسى مثلا، حيث تصادف ذكرى معجزته في فلق البحر وخروجه آمنا من مصر الخامس من محرم» حسب بعض المصادر كما بقصيدة السيد الحلي:

«خرج الحسين من المدينة خائفا  ***  كخروج موسى خائفا يتكتم
وقد انجلى عن مكة وهو ابنها  ***  وبه تشرفت الحطيم وزمزم»

4/ القصيدة الخالصة

في الغالب الأعم لأنماط القصيدة التي تكتب في الحسين تكون الابيات الوجدانية او الحكمية منفصلة في لغنها ومفرداتها عن سيرة الحسين وبالتالي لو نقلت للحديث عن شخصية أخرى فلن يحدث ذلك تأثيرا بالشخصية الاخرى بل سيناسبها تماما.

اما في القصيدة الخالصة فهي مقيدة في كل تركيباتها بلغة الممدوح أو المرثي حتى في الوجداني أو الحكمي مثلا:

«خط الشهيد على قلبي وفي جسدي   ***  خط الخلود على العشاق للأبد
وخير لي مصرع والروح ساحته  ***  أشتاق لقياه شوق الأم للولد»

ورغم غياب مسمى الحسين ورغم ان الأبيات تتكلم عن محبة الشاعر للشهداء الا أن الاقتباسات من خطبة الحسين واضحة في الأبيات فهي تحيل الى الخطبة ولا تتحدث عنها ففي الخطبة يقول الحسين : خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة وخير لي مصرع أنا لاقيه».

وبالتالي لا يمكن فصل هذه النصوص عن قصيدة تتحدث عن الحسين ولن تناسب أي شخصية أخرى لو تعمقنا في الصور.

5 / الأسطورة في خدمة الحسين

وهنا تتدخل الاساطير والخرافات في نسج النص وتتمرد على نسقية الديني، ويشبه المقدس بالاسطوري مع ذكر اسمه او بدون ذكره:

«وكالإناء السومري تموت عطشانا ومن كفيك تمتد الحياة إلى الحياة جذورا»

ويتحول النص من منبري ليحل محال المقطوعات الأدبية عادة لأن ذلك التناسب والتصوير البعيد لا يناسب محفلا جماهيريا يبحث عن إشباع عاطفته الآنية بل يناسب شريحة متذوقة للأدب كجمهور أمسية ثقافية أو نقدية.

6 / الحسين الرؤيا عالمية لا تحتكر

وهنا يركز الشاعر على الجوانب الانسانية في الحسين ويقدمها شعرا كأنموذج يجب ان يحتذى به، وفي هذا الجانب كتب الشعراء المسلمون وغير المسلمين حتى الهندوس يقول جاي سنغ:

«لنا نحن المذنبون هنالك مثال هو “الحر”
قضية الحسين أرجعت “الحر” إلى الحقيقة
المسلمون قرؤوا مسيرة الرسول
والهندوس كانوا قبلا قرؤوا مسيرة الحسين»

والمعروف أن الحر كان قائدا عسكريا مقدرا في الطرف المضاد للحسين ومع بدأ المعركة وضع قيودا وأغلالا على يديه وتوجه لمعسكر الحسين طالبا الصفح منه والتوبة إلى الله عنده ثم المقاتلة حتى الموت بين يديه مفضلا الموت مع قضية يؤمن بها على الانتصار والحياة مع قضية لا يؤمن بها مع كثرة جنده وقلة أنصار الحسين وهنا يكون النص عادة خارج عن الزمان والمكان ويليق لأن يكون رؤيوي وعالمي لأنه يركز على القيمة وعلى الرسالية لا على الحدث بحد ذاته وإن كان الحسين محور النص.

7 / الحسين الرمز النص الآخر

وهو من الانماط المعاصرة ويستخدم به اسم الحسين أو اسم من يرتبط به ليدل على صفة ما كالشجاعة او الاباء او رفض الظلم مثلا ويكون لبنة من لبنات النص لا موضوعا للنص، كما في قصيدة نزار قباني:

«سميتك الجنوب يا لابسا عباءة الحسين»

عاشوراء ويقول احد الشعراء ايضا مستحضرا الحر الرياحي، في نص يحتفي بالإنسان الخطّاء وفلسفة الارادة ل «بول ريكور» يمزج شاعر بين السيرة والأسطورة «لأملك أقيادا كالحر رياحي الروح ولا عفوية أنكيدو».

وهنا يظهر الحر فقط ويمتزج أيضا بأنكيدو الذي يدل على جلجامش ولا يظهر ولا يذكر الحسين ولا يذكر جلجامش أيضا ومع ذلك فالحسين وجلجامش وتوبة الحر وأنكيدو والرجوع لمناصرتهما هو الحضور الغير مباشرة الذي يبحث عنه صاحب النص لدلاة الحدثين.

8 / غياب الاسم حركية السيرة

وبالتالي فان التطور المتوقع هو غياب المسميات، والانتصار للنص بحركية في نص يستهدف الحديث عن الحسين او عن اي موضوع اخر يتقاطع جزئيا مع قيمة من قيمه وهذه الخطوة تتجاوز عولمة الرمز الحسين الى عولمة سيرته، وثمة محاولات بسيطة تلمح في نصوص بعض الشعراء المولعون بعشق السيرة، والذين تجاوزوا مرحلة المنصة الى مرحلة المقطوعة الأدبية العالمية.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
هرم بن حيان
[ القطيف ]: 14 / 11 / 2013م - 11:05 ص
من أجمل ما قرأت....بوركت ابو الزهراء..