آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

بعض المظاهر خداعة

سلمان العنكي

ليست كل المظاهر على اختلافها خداعة كما يُظن ويُعنوِن لها البعض أحياناً بقولهم ”التعميم ظلم وبهتان دليل سوء فهم للصحيح منها“. ولكن لا ننكر أن هناك من يستخدمها وسيلة لغايتها استغلال الآخرين والوصول للمقصود بأساليب تكسب الثقة العمياء وتبعد الشكوك. وتتمثل أدواتها في:

أولاً: اللسان:

- حلاوة نطق عبارات مركبة ساحرة.

- اختيار مصطلحات غير متداولة ولا مألوفة للإغراء.

- انتقاء كلمات معسولة مُزجت بسم قاتل.

- جهل المستهدف بطرق الغش والاحتيال والتدليس.

- عدم تعرضه المسبق لمواقف مشابهة أو سماعه بشيء منها.

- التصديق المطلق بنية حسنة.

كلها تجعله فريسة سهلة ولقمة سائغة تُوقعه في شباك الصياد الماهر المتمرس الخبيث. حتى أن ”إبليس لعنه الله“ استطاع بمكره المغلف بالنصح المطعم بالكذب أن يقنع أبانا ”آدم“ بأكل من شجرة نُهي عن القرب منها، حتى تسبب في إخراجه من الجنة. ولا يزال قبيلُه من شياطين الإنس نراهم يحدون حدوه، ونسمع بضحاياهم كل يوم وحين، خصوصاً مع دخول قنوات التواصل الاجتماعي المتنوعة «الشبكة العنكبوتية» الخدمة وتطورها المذهل وتحديثاتها المتتالية.

ثانياً: الشكل:

يُحكى في عهد نبي الله سليمان أن طائراً جاء إلى بركة ماء ليشرب، فوجد أطفالاً قربها، فخاف منهم وانتظر حتى غادروا وابتعدوا. لحظات وجاء رجل ذو لحية إلى البركة، فقال الطائر في نفسه: ”هذا رجل وقور، سيماء الصلاح على وجهه، لا يمكن أن يؤذيني“. نزل ليشرب، فما كان من الرجل إلا أن رماه بحجر أصاب عينه. ذهب شاكياً إلى النبي سليمان، فاستدعى الرجل وسأله: ”ألك حاجة حتى رميته بالحجر؟“ قال لا، فأصدر عليه ”حُكماً“ أن تُفقأ عينه. اعترض الطائر قائلاً: ”يانبي الله، إن عينه لم تؤذيني، بل لحيته هي التي خدعتني. لذا أطلب قصها عقوبة له حتى لا ينخدع بها أحد بعدي“.

قصة لا يهمنا مصدرها ولا تعنينا صحتها وقبولها أو ردها.

ولكن الحقيقة المرة في واقعنا الأليم: كم لحية مرسلة أفسدت أفكاراً، هدمت بيوتاً، مزقت أرحاماً! كم متواضع يمشي الهوينة تحت شعار مقدس، بيديه مسبحة والأصابع مختمة، صدقناه وسلّمناه عقولنا فتلاعب بها كيف شاء! كم صاحب سجدة طويلة مُلئ بطنه حراماً، وقد كنا نحسبه مثلاً يُقتدى به، وإذا البعد عنه خير مِن القرب منه! كم وكم، أليس كذلك؟

لا تتعجل بالثقة. ما تشم مِن رائحة زاكية ربما انكشف بعد رفع الغطاء تحتها جيفة نتنة.

ثالثاً: العمل:

يفعل ما ينهى عنه، ويعمل خلاف ما يأمر به. ينطبق عليه المثل الشعبي الموروث ”الديك يؤذن لصلاة الصبح ولا يصلي“. يتبنى الخيرات أمام أعين الناس ليقنعهم بأخلاصه، يتمسكن حتى يتمكن. يحج يعتمر مرات، يزور المقدسات باستمرار، يقطع كل سنة مسافات بين شريفين طلباً للأجر والثواب. وكلها مظاهر وشكليات. والشاهد لا يدفع مستحقات تراكمت عليه لسنين، يتولى مناسبات دينية يستجدي باسمها ويتبضع لها وإلى الحول دون سداد قيمتها. إنها مجرد طريق لتنفيذ مآرب لا أكثر.

الحذر ثم الحذر مِن هؤلاء حتى تتضح الأمور جلياً، فالقبول في مأمن أو الامساك أسلم.