الصندوق العائلي الاستثماري الخيري مثلا
يمر على أي مجموعة بشرية خدر نفسي Physic numbing بعد حين من مضي الوقت دون بلوغ الأهداف الموضوعة للعمل الجماعي. وهذه الظاهرة تُسمى بالخدر النفسي وهناك تعاريف أخرى لذات المصطلح. لعل من أهم العلامات الحيوية التي تؤشر أو توحي بأن رب الأسرة أو أفراد العائلة أو أبناء المجتمع في طريقه/ هم إلى الخدر النفسي:
1 - تغيير وتذبذب الاهتمامات للأعضاء
2 - ذبول الإنجازات وكثرة الوعود الجوفاء وتزايد عدد المحتاجين
3 - التعود على الوضع لكثرة الضحايا أو كثرة مقاطع الفيديو المتناقلة التي تبث مشاعر الفقر / الانفلات / الإحباط، وقلة الحيلة من طرف الصادقين في معالجة الأمر.
4 - تراكم عدد المحتاجين من الناس للمساعدات / تراكم عدد قصص الخُلع / تزايد عدد مقاطع الانحلال لبعض الناس / تضارب الصور من داخل ذات المجتمع بين إسراف مقيت وفقر مدقع … إلخ.
5 - تزايد عدد الضحايا والسماع بذلك بشكل شبه يومي في: الحروب / المجاعات / الفقر / البطالة / الإفلاس / الأمراض / العجز المالي …. إلخ.
6 - الزهق والملل أو التعود على سماع ورؤية ذات الأحداث بشكل شبه يومي.
في المحصلة، تتولد أمور لدى البعض، ومنها برودة المشاعر والإحساس الزائف بعدم جدوى المساعدة ونتيجة ذلك تُقتل الحوافز للمشاركة، وتطغى على السطح مع مرور الوقت اللامبالاة لدى ذلك البعض من الناس. وهذه الظاهرة مصاديقها واضحة للعيان في أحداث عديدة من حولنا: عالمية ومحلية واجتماعية وأُسرية. فيتوارى البعض عن الأنظار، وينكمش الخير ويستطيل البؤس.
إذا، ما الحلول المتوفرة والممكنة؟
يبدو لي أن من أهم عوامل كسر حالة الخدر النفسي أو الشعور الزائف بعدم جدوى مد يد المساعدة للآخرين:
1 - إعادة دراسة الإمكانيات والآليات المعمول بها
2 - إيجاد أهداف جديدة قابلة للإنجاز
3 - استقراء مشاريع جديدة أكثر حظوة في الإنجاز والنجاح
4 - الانطلاق بناء من الميزانية المتاحة، وليس بناء على الأحلام المنشودة.
5 - حجب تناقل صور تبث مقاطع البؤس واليأس والانحلال والقنوط؛ لأنها توهن النفوس، وتقتل الهمم، وإن كان ولا بد فيجب توظيفها بشكل مدروس لتحفيز الهمم واستنهاض الكرامة وإيقاظ الضمائر.
لن نتكلم عن مواضيع بعيدة، ولكن نستجلي صوراً قائمة من الوسط الاجتماعي. في السابق من الدهور، تبنت بعض العوائل المتمولة «صاحبة الأموال الطائلة» مشروعاً عائلياً جماعياً بمسمى ”صندوق العائلة الخيري“. وكان الدافع للمساهمين في البذل مختلفاً؛ إلا أن محور أساس لانطلاق هذا أو ذاك الصندوق العائلي هو سد باب حاجة المحتاج من أبناء ذات العائلة «الأقربون أولى بالمعروف» وللحفاظ على ماء وجه واسم العائلة وتطبيقا لروح الحديث النبوي الشريف ”خيركم خيركم لأهله“. وكانت معظم المصارف تذهب لسد لقمة العيش اليومي وتزويج المحتاج وإعانة طارئ للمحتاج. ومع تقدم منظومة بناء الضمان الاجتماعي داخل بعض الدول، أخذ ذلك الصندوق العائلي لبعض الأسر يسد جزءاً من احتياجات المحتاج المؤهل. وبحمد الله انتشرت إلى جانب ذلك الجمعيات الخيرية الأهلية الرسمية لتساهم في تغطية بعض الاحتياجات المعيشية للأسر المحتاجة والمتعففة بعد التحقق من حقيقة احتياجاتها. وبذلك أصبح بعض العوائل ممن لديهم صندوق عائلي نطاق مد يد العون محصور في أمور محددة، وبعد تشخيص أمور عدة، ومنها طبيعة الحاجة والتدفقات المالية داخل ذات الأسرة. إلا أنه ومع تضخم الأسعار للسلع وارتفاع أسعار الوقود والطاقة، تولدت فجوات مالية للأسر المتعففة المحتاجة، وأضحى التدفق النقدي لدى البعض منها قد لا يوفي بكل الاحتياجات لا سيما الطارئة منها. إلا أن تزايد عدد المحتاجين جعل بعض صناديق الأسر في عجز أو في انكماش في التدفقات لأسباب عدة منها الخدر النفسي لبعض المتبرعين أو تكاثر قصص المنتحلين لطلب الحاجة أو انتشار ثقافة الكسل في طلب الرزق لدى بعض أفراد ذات الأسرة أو زيادة حب الناس لأموالها والشح في البذل عند البعض أو الخوف من شبح الفقر.
بث ثقافة ”علمني أن اصطاد سمكة لا أن تعطيني سمكة“ وإطلاق روح الكرامة الإنسانية في صدور وعقول وقلوب كل فرد داخل المجتمع والتشجيع بالانخراط في إطلاق أعمال تجارية حرة حتى البسيطة منها لكسب قوت يوم المحتاج بدل الاعتماد على الإعانات أو انتظار الصدقات، لا سيما من كانت لديهم صحة جيدة وعافية متوفرة أمر ضروري جدا ومهم وحيوي، وقد يصبح مصيري في بعض الأسر. ومع انتشار الانغماس في استعمال منصات التواصل من الجميع تجعل موضوع توظيف منصات التطبيق الاجتماعي لإطلاق رسائل فاعلة لتحفيز الجميع على تمرير وتجذير فكرة العمل الحر ونفض غبار الكسل أو إسقاط القنوط أو تهشيم أصنام الاتكالية أو محو مظاهر المسكنة وإلغاء لغة الانكسار أمر استراتيجياً في المرحلة الحالية.
هنا أشيد بتبني مبادرات ومنظومة ما انطلق البعض من العوائل في تنفيذه «عوائل حول العالم» وهو تشكيل صندوق مساهمات خيرية عائلية / وقفية عائلية تتبنى بناء وتخصيص محفظة مالية ذات حصص أسهم مع وجود قيمة مالية للسهم الواحد وتعيين مدير مالي تشغيلي مؤهل من داخل الأسرة. وتشغيل الصندوق بعد ملامسة سقف مبلغ مجمع بحد أدنى مالي معين للمتاجرة بأنشطة تجارية في الأوراق المالية أو إطلاق نشاط / أنشطة تجارية وتشغيل المحتاجين المؤهلين من داخل الحمولة المدرجين ضمن قائمة المستفيدين في ذات المشروع التجاري المراد إطلاقه وتخصيص جزء من الأرباح التشغيلية في توزيعه للأكثر حاجة ملحة من داخل ذات العائلة. وبذلك يتم تدوير المبلغ للمساهمين من داخل الأسرة والعمل على إنمائه وتوظيف بعض أفراد ذات العائلة في المشروع المتبنى وإعطاء الكسيح أو المشلول من أفراد ذات العائلة مساعدات مالية وعينية وتجذير ثقافة التضامن الاجتماعي وحصد أرباح دورية للمساهمين في الصندوق العائلي الاستثماري الخيري والانتصار على الخمول النفسي وتحطيم مشاعر اللامبالاة عند البعض نحو أزمات الآخرين.