آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 4:07 م

الشيك على بياض «التفويض العام»

الدكتور ماهر آل سيف *

يمكن لشخص ما أن يطلب منك شيكا على بياض الذي يعني شيكا غير محدد المبلغ وأيضا غير محدد المستفيد ”لحامله“ أي أن من يحصل على الشيك يمكنه كتابة أي مبلغ يريد وأن يقدمه للبنك ويستلم المبلغ وإن لم يكن هناك رصيد فسيتم استدعاؤك للنيابة العامة وتدخل السجن.

وأيضا هناك شيك على بياض من نوع آخر. وهو التفويض العام من شخص لشخص آخر فمثلا أن تفوض الزوجة زوجها بالتصرف في جميع أملاكها أو العكس أن يفوض الزوج زوجته للتصرف في جميع أملاكه. هذا قد يحدث ولكنه معرض للمخاطر الكبيرة والكثيرة والتي تتمثل في سوء استخدام التفويض لصالح المفوض. وهذا يحدث بين الزوجين وهم قريبين جدا من بعض. بل قد يحدث سوء التصرف بين الأب وأبنائه أو الأخ وإخوانه فليس الثقة هي المقياس الصحيح في هذه الحالة. إذ لا بد أن توضع حدود للتصرف وحدود للتفويض وليس تفويضا عاما.

وهناك نوع آخر للشيك على بياض، عندما يفوض الشركاء شريكا لهم في إدارة الأعمال والتصرف المالي والإداري والتصرف في الأصول ”تفويض عام“ غالبا ما يحدث خلاف كبير بعد ذلك، وتكون النتيجة خسارة فادحة للأطراف المفوضين.

وهناك نوع آخر يحدث في شيكا على بياض ”التفويض العام“ من المساهمين لمجلس الإدارة، ومن مجلس الإدارة إلى المجلس التنفيذي أو المدير التنفيذي. لكن هذا النوع يكون محدودا في أمور معينة وبمبالغ معينة لا يمكن للمدير التنفيذي أن يتجاوزها ولا يبت فيها إلا بالرجوع إلى الجمعية العمومية أو الملاك. وهذه الأمور عادة تكون الأصول والممتلكات التي تقوم على أساسها الشركة.

هذا الأمر أيضا ينطبق على المؤسسات الأهلية وغير الربحية كالجمعيات الخيرية وجمعيات التنمية والجمعيات التعاونية والنادي واللجان الأهلية ”كل مؤسسة لها جمعية عمومية“. عندما يطلب مجلس الإدارة شيكا على بياض ”تفويضا عاما“ من أعضاء الجمعية العمومية ”التصرف في أملاك وأصول المؤسسة دون الرجوع إلى الجمعية العمومية مرة أخرى، وهذا التفويض يكون مفتوحا دون سقف مالي أو سقف قراري“ هذا يستوجب وعيا عاما لدى أعضاء الجمعية العمومية. وخاصة عندما لا يكون هناك مجلس رقابي محلي على قرارات مجلس الإدارة. وخاصة عندما يكون هذا القرار ينسحب إلى جميع مجالس الإدارة اللاحقة. قد يستخدم استخداما سيئا من المجلس الحالي أو المجلس المستقبلي.

قد تنشأ عن الشيك على بياض ”التفويض العام“ بعض المشاكل التي تضر بالطرف الموَكِّل له في حال حدوث خلافات أو نزاعات بينهما، منها:

- عدم احترام المفوض للشروط المتفق عليها مع المفوض له، مثل عدم الالتزام بالمصلحة العامة أو التصرف بطريقة تضر بالأملاك أو تنقص من قيمتها، وتعرضها للخطر، أيضا عدم تزويده بالمعلومات اللازمة عن حالة الأملاك أو عدم السماح له بالتدخل في التصرفات المتعلقة بها.

هذه العملية تتطلب وجود نص قانوني يجيزها وضوابط وشروط تحدد مدى ونطاق التفويض.

منح تفويض التصرف في جميع شؤون مؤسسة أهلية لطرف واحد قد يكون له عواقب إيجابية أو سلبية، حسب طبيعة المؤسسة والجهة المفوض إليها والمصالح المتعلقة بها. من العواقب الإيجابية، والتي تحدث نادرا في حال كان الاتفاق مبنياً على الثقة التامة في شخص أو الأشخاص الموكل لهم، نذكر منها:

- تخفيف الحمل عن صاحب الاختصاص وتمكينه من التركيز على الأمور الاستراتيجية والهامة.

- ربح الوقت والجهد والموارد المطلوبة لإدارة المؤسسة ومتابعة شؤونها.

- تحسين كفاءة ومردودية العمل والجودة في المؤسسة، إذا كان الشخص المفوض إليه مؤهلاً ومخلصاً وملتزماً.

- تنمية مهارات وقدرات الشخص الموكل له، وزيادة ثقته ومسؤوليته وولائه للمؤسسة.

- تشجيع الابتكار والإبداع والتجديد في الجمعية، إذا كان الشخص المفوض إليه يمتلك رؤية ومبادرة وحرية في اتخاذ القرارات.

في حال تم تغيير الطرف الموَّكَل له بطرف آخر جديد، هناك احتمال كبير أن يكون بدون ضمير ولا يحترم أخلاقيات العمل الاجتماعي، فيترتب عن ذلك عواقب سلبية منها ما يلي:

- فقدان السيطرة والرقابة على المؤسسة الأهلية وشؤونها من قبل أعضاء إدارتها.

- تضارب وتوتر بين صاحب كل اختصاص على حدى والطرف المفوض إليه أو بين الأطراف المعنية المؤسسة.

- تعرض المؤسسة الأهلية للخطر والاستغلال أو الفساد أو الانحراف، إذا كان الشخص المفوض إليه غير مؤهل أو غير مخلص أو غير ملتزم أو يتصرف بمصلحته الشخصية.

- تقليل الحافز والمشاركة والانتماء للمؤسسة من قبل الأعضاء أو الموظفين أو المتطوعين أو المستفيدين، إذا كانوا يشعرون بالإهمال أو الظلم أو الإقصاء أو الاستبداد من قبل الشخص المفوض إليه.

- تحطيم روح الابتكار والإبداع والتجديد في المؤسسة، إذا كان الطرف المفوض إليه يمارس الروتين أو النمطية أو القيود في اتخاذ القرارات. هنا يمكن القول إن التفويض كشيك على بياض بالنسبة لإدارات الشركات الكبرى والناجحة، فهي تعمل وفق قوانين، تجعل التصرف في شؤون الشركة مبنياً على مراحل، لكل طرف فيها دور وقرار فعال في صياغته، لذلك من المهم، العمل وفق ما تنص عليه القوانين التنظيمية داخل المؤسسة، وتجنب وضع مصيره بين يد طرف واحدة، قد يحطم عمل سنين في ثواني، كالذي يضع البيض كله في سلة واحدة، إذا سقطت، خسر كل ما فيها.

لذلك وجب التنبيه لأعضاء الجمعيات العمومية للجمعيات الخيرية والتعاونية والرياضية وغيرها وخاصة بعد التنظيم الجديد وهو الملائة المالية أو ما تعرف بالملاءة الصوتية ”من يدفع أكثر يحق له التصويت أكثر“.