آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 6:12 م

ظاهرة التسول وانحراف بوصلة العطاء

ناجي وهب الفرج *

قد يلجأ الكثير من الناس على تبني عمل المعروف ويبذلون ما عندهم لأجله، ولكن لا يتمكنون من توجيه هذا البذل والعطاء النابع من نيتهم الصافية بلا شك في محله لعاطفة تملكتهم أو لعدم توفر المعلومات الكافية لديهم؛ لذلك دأبت جهات المساعدة والاختصاص في بلادنا الغالية سواءً كان حساب المواطن أو الضمان الاجتماعي وغيرها من الجهات التي وضعتها الدولة - أَيَدَهَا الله - لتلمُّس حاجات المواطنين والتي رمتْ مِنْ إنشائها إلى تحقيق حياة كريمة ومستقرة لهم، ووضَعَتْ معايير واشتراطات محددة حتَّى تصل مثل هذه المعونات لمستحقيها الفعليين وحتى لا تعزز السلوك السلبي عند من يمتهن التسول.

وقد أكّد ذلك ما صدر عَنْ مجلس الوزراء السعودي بتاريخ 9 / 2 / 1443 هـ المصادف لـ 16 / 9 / 2021 م من نظام يُسَمَّى بنظام مكافحة التسول؛ والذي تضمَّنتْ بنودهُ تعريفات لائحة النظام، وحظر التسول، والقبض على المتسولين، وإحالة ممتهن التسول إلى الجهة المختصة، كما حددت مسؤوليات وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، والعقوبات المترتبة على ممارسة التسول، ومصادرة الأموال الحاصل عليها المتسول من تسوله، والجهة التي تتولى التحقيق في مخالفات النظام، وإصدار اللائحة، ومن ثم نشرها ونفاذها.

وَإننا قد نجد نسبةً لا يُسْتهان بها من هؤلاء المتسولين مِمَنْ اعتاد على تلك العادة، وامْتَهَنَهَا حتى أصبحت عادةً يشبُّ عليها الصغير ويَهَْرِمُ عليها الكبيرُ.

وتعدَّى الأمرُ إلى أكثر من ذلك حتَّى فيما يختص بالجمعيات الخيرية، فإننا قد نجد مِمَنْ يعتبر مساعدة الجمعيات حقًا مكتسبًا ومستمرًا له، على الرغم من قدرته على الكسب والعمل وتمتعهبالأهلية الجسمانية والصحية للكسب والعيش، لذا اتجهت الجمعيات، وأكدت على سياسة الإفصاح ودراسة الحالة، ووضعت لها معايير يمكن من خلالها معرفة استحقاق المستفيد من عدمه، ومراجعة الحالة من حين لآخر هذا من جانب، ومن جانب آخر البحث عن إمكانية تحويل هذا المستفيد إلى شخص منتجٍ ومكتفٍ ذاتي عبرَ إلحاقه ببرامج ودورات تؤهلهُ وتعِدهلذلك.

قال عزَّ مِنْ قائل في الحثِّ على التشجيع على العمل والكسب: ﴿وَآيَةٌ لّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنّاتٍ مِن نّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ [يس: 33 35].

لذا حرصتْ هذهِ الجهات الخدمية على إنشاء لجان تخصصية مثل لجان التأهيل والتمكين؛ تُعْنَى بمثل هذه الفئات وتؤهلهم، وجعلتْ هدفها الأساس هو تدريب هؤلاء الناس وتحويلهم من مجرد أُناس مُسْتَقْبِلِيْنَ للمساعدة والصدقة إلى أُناس مُنْتِجِيْنَ ومُكْتَفِيْنَ، أَيْ ”لَا تُعْطِيْنِيْ مَالًا لَكِنْ قُلْ لِي كَيْفَ أّصْنَعُ المَالَ“

فَكُلُّ مردودٍ مالي ولو كَانَ بسيطًا ومحدودًا يوفِّر الأمان والاكتفاء لصاحب الحاجة في حدودها الدنيا، ويُغْني صاحبهُ عن استجداء الناس وكشف الوجه سيكون مطلوبًا ومرضيًا، على العكس ممن اعتاد أَنْ يعيشَ معيشةً لا تتناسبُ مع إمكاناته وإيراداته المالية، مما سيدفعه ويضطره في نهاية المطاف إلى طلب المعونة من الآخرين، ويُدخله ذلك في دوامَّةِ وطائلة الدُّيون التي ربما لا تنتهي، فَالدَّيْنُ هَمٌّ فِيْ اللَّيْلِ وَذِلٌّ فِيْ النَّهَارِ كما يقولون.

قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: ”اسْتَعْفُوا عَنْ السُّؤَالِ مَا اسْتَطَعْتُمْ“.

وقالَ رسولُ اللهِ ﷺ: ”طُوْبَىَ لِمَنْ هَدَىْ لِلْإِسْلَامِ وَكَانَ عَيْشَهُ كِفَافاً وَقَنِعَ بِهِ“.

وقالَ ﷺ: ”عَلَيْكَ بِالْيَأْسِ مِمَّا فِيْ أَيْدِيْ النَّاسِ، وَإِيَاكَ وَالطَّمَع فَإِنَّهُ الْفَقْرُ الْحَاضِرُ“

اعتاد الكثير من الناس على عادة التَّسَوْل الذي هو طلب للمال، أو للطعام، أو المبيت من عموم الناس باستجداء عطفهم وكرمهم إما بعاهات أو بسوء حال أو بالأطفال، بغض النظر عن صدق المتسولين من كذبهم.

فالتسول يأتي على أنواع وأشكال عدَّة هي:

1 - التسول بشكل مباشر وهذا النوع يُعرف تحت مُسَمَّى التسول الظاهري.

2 - التسول المُقَنَّع وهذا النوع يُعرف تحت مُسَمَّى التسول غير المباشر.

3 - التسول الإجباري.

4 - التسول في المواسم فقط حيث يقدم الشخص على التسول في مناسبات محددة أو في توقيت معين من العام.

5 - التسوق العارض.

6 - الجانح وذلك النوع يعتبر من بين أخطر أنواع التسول حيث يقدم المتسول على السرقة مع التسول في وقت واحد دون أن يشعر الشخص ومن الممكن أن يؤدي إلى قتل الآخرين بهدف السرقة.

7 - تسول الأشخاص القادرين.

8 - تسول الشخص المحتاج.

9 - التسول الاختياري.

وهنا سنتطرق ونُفَصَّل في ماهيِّة التسول العاطفي لما يمثِّلُهُ من خطر قد لا ينتبه له الكثيرون والذي يبرز معناه في أنَّهُ هو سلوك يلجأ إليه الفرد من أجل إظهار التودد والمحبَّة للغير بأساليب متنوعة ومختلفة وادعاء أمور قد تكون كاذبة أو صادقة. ويكون ذلك من أجل كسب محبة واستعطاف واهتمام الطرف الآخر أو جذب انتباهه أو جعل الشخص الآخر يقوم بتنفيذ أشياء يمتنع عنها ويرفضها ربما لأنها مختلفة عن قناعاته. فمن خلال هذا التسول العاطفي يمكن تحقيق جميع هذه الأمور المذكورة آنفًا.

تظهر العديد من الصفات التي تمكِّنك من معرفة الشخص المتسول للعاطفة وأسباب التسول والحب وهي:

* ميله للانطوائية والعزلة الاجتماعية والخجل من الآخرين والابتعاد عنهم.

* عدم الثقة بالنفس، فإن الشخص الذي يعاني من التسول العاطفي يستمد ضعف الثقة من الوسط المحيط به والأشخاص المتواجدين حوله.

* يدَّعِي ويتفاخر بكثرة الأصدقاء وحبهم له واهتمامهم به. ولكنه في الحقيقة لا يكون لديه أي صديق ويكون كلامه كله محض تمثيل وكذب.

* المعاناة من الجفاف والفراغ العاطفي وفقدان الشريك فهذا الأمر يجعل من الشخص أكثر عرضة للتسول لأنه يشعر بفقدان الأمان، ويمكن أن يفكر في الإدمان على المخدرات والكحول في بعض الأوقات.

* يبالغ في مشاعره كثيراً سواء في الفرح أو في الحزن.

* اقتحام حياة الشخص الذي يريد استجرار وتسول محبته وعاطفته.

* الإكثار من الكلام فتراه يبالغ في الوصف بشكل كبير لدرجة أن المستمع قد بشعر معه بالملل.

* يضخَّم من قدراته وإمكانياته أمام الآخرين. حتى لو كانت بسيطة.

* يعاني من التوتر والقلق بشكل مستمر، فيسعى دوماً ليستمد الثقة بنفسه والتخلص من هذه الأمور من خلال طلب المدح للحصول على الأمان والاستقرار النفسي والداخلي.

* لا يتفاعل مع الأسرة، ولا يشارك بأي نشاطات تقوم بها.

* يتحدث دوماً بأنه ضحية المجتمع. وأن ليس له أي قيمة أو تقدير بين الناس، ويردد دائمًا بأنه يعاني من ضغوطات كثيرة وقاسية.

ومن دواعي تكوَّن مثل هذا الاضطراب أو ما يُدْعَى بالتسول العاطفي هو التفكك الأسري مثل حدوث حالات الطلاق، وغياب الجانب العاطفي من قبل الأسرة، وانعدام التفاهم بين الأبوين، فيكون الأولاد ضحية لمثل ذلك، فيفتقدون للحنان والأمان والمحبة، وكذلك عدم اهتمام الأهل بتكوين وتقوية شخصية الابن ودعمه، مما يؤدي إلى وجود أولاد يتسمون بشخصية ضعيفة هشَّةٍ.

وهنالك ما يُدْعَىْ بالتسول الإيجابي

كطلب الاهتمام وهذا ليس مذموماً، كأن تسعى الزوجة للفت انتباه زوجها وزيادة الاهتمام بها أو الاعتناء بأطفالها. أو محاولة لفت انتباه أولادها إليها، حتى يعتنوا ويهتموا بها أكثر.

وعلى العكس منه هناك ما يُسَمَّى بالتسول العاطفي السلبي كأن يكون التسول العاطفي على هيئة طلب أو فرض، لاسيما إذا تم فرضه على الشخص المقصود بهدف الاهتمام والمحبة، فيصل إلى حد مطاردته وإزعاجه.

وهنالك ما يُسَمَّىْ بالتسول الإلكتروني وهو النسخة الإلكترونية من التسول التقليدي الذي يقوم به البعض في الشوارع والحافلات؛ لكن خطورة التسول عبر الإنترنت هي أن المتسول الإلكتروني يكون مجهول الهوية، فلا يمكن معرفة اسمه الحقيقي أو سنّه أو مكانته الاجتماعية، وهذا الأمر يجنبه الحرج والمسؤولية التي قد تلحق بالمتسولين التقليديين.

المصادر:

1 - القرآن الكريم.

2 - الوسائل.

3 - كنز العمال.

4 - هيئة الخبراء بمجلس الوزراء.

5 - الموسوعة الحرة.

6 - المرسال.

7 - موقع all wanz.
نائب رئيس مجلس إدارة جمعية العوامية الخيرية للخدمات الاجتماعية