آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 12:15 م

الحلقة التاسعة من سلسلة حوارات خيالية بين الشاعر علي بن مكي الشيخ ودواوين مجموعة من الشعراء‎‎

ديوان ”شيء يشبه الرقص“ ‎.. للشاعر السعودي شفيق العبادي القطيفي

علي مكي الشيخ

الشاعر شفيق العبادي أحد أبرز شعراء القطيف أنجبته عشتار الجمال من رحم الألق فتسلق على جلالة الحرف حتى تخلقت روحه بمجازات التكوين، مسكونٌ بهاجس الوعي الشعري منذ مراحله المبكرة، وهبتهُ الطبيعةُ مفاتنها، فغامر في مضمار الحرف وسحر الكلمة، وأناقةِ البيان، حتى أصبح شاعرا من نسيج فردانيته

- مرحبا بك أستاذي أبا فراس.. في هذه المساحة المتخيلة

ومن نافذة هذا الديوان دعني أسبر بعض ما تستكنهه من أبعاد رؤيوية، من داخل النص الشعري الذي اشتغلت عليه بكل عمر التجربة الجميلة..

السؤال الأول:

جاء الديوان خاليًا منَ الإهداء.. لو أعيد لك الخيار فماذا ستختار من مقطوعاتك لتكون بمثابة الإهداء؟!

شفيق:

في البداية شكرا لهذه المساحة من البوح، والضوء.
لو خيرت لمقطع الإهداء.. اخترت أن أهديه لذلك القمر.. الذي قلت له:

مذ كنتُ صغيرا وأنت تراودني ملهما
وكلّما قذفتني إلى النومِ أمي فجاريتُها مرغما
وكلّما أطفأت من طريقكَ حبلى فألقيتني معْتما
وكلّما
كلما
كلما
كنتَ تُبري يدي كي أَخُطَّ على الغيمِ لي قدما
ثم تمحو فمي وتراقبني
كيف أرسمُ. لي من جديدٍ فما

السؤال الثاني:

يقول الشاعر العراقي عدنان الصايغ:

”الشاعر يعيد تشكيل الأمكنة التي يزورها.. والأشخاص الذين يلتقيهم، والكتب التي يقرؤها، والأحداث التي تمر به، أو يمر بها..“

حدثنا في البداية عن مسقط رأسك، ورائحة ذلك المكان؟!

وشيء عن ذاكرتك الأولى..!!

شفيق:

ولدتُ على بُعدِ قافيةٍ من هُنا
وحرفًا بطعم المجازِ استعارته أمي من سُمرةِ القمحِ
ذات صبحٍ بلون السنا..

- أما عن سيرتي الأولى..

كان من الممكنِ أن تصبحَ عابرَ طفولةٍ
كأسلافك في استعجال تركهم المكان شاغرًا لورقةٍ أخرى
في شجرة العائلة..

- ففي السنة الأولى:

صاهرتك الحمّى، حتى درجة الغليان
حين فاضَ منسوب الكلامِ بما لا يليقُ من القولِ

- وفي السابعة

ابتلعك الجُبُّ في غفلةٍ من أصدقائك الذين أغواهم عُواءُ الذئبِ.. بينما كنت تدربُ قامتك على الرقص فوق حوافِّ الأشياء.. لتخرجَ بنصف شفةٍ غير قادرةٍ على النفخ.

وفي الثالثة عشر:

استهو اك بساطُ الريح..
لتستعيره من حكاياتِ جارتك العجوزِ، وتقفزُ به من شاهق الكلام

وفي الخامسة عشر:

كان بينك وبين منعطف النبع أن تعاندَ جسدك المنهك.
مرتهنًا لمشيئةِ الماءِ
لربما حينها استحلت لقارورةٍ تبحثُ عن مرفئها الأخيرْ

السؤال الثالث:

توظيف الرمز الشعري.. يعطي النص فضاءً مفتوحا، حيث يؤجل الدال بمجازات الكلام
كيف حضرت الرموز لديك!!
توظيفا شعريا، ومعالجة مرآوية؟!

شفيق:

له وهو يغري ”بسقطِ اللوى“ لامرئِ القيسِ

دمعًا أهلّهْ
يغري نوارس ”درويشَ“ يومًا أبًا لهْ

له وهو يثني ”أبا الطيبِ“ أن ينثر المسك شعرًا

لكافور، حيث القصيدةُ نافلةُ الصاحِ للمدلجين
بليلِ صوامعهم

حيث نار القصيدة بوصلة الشعراء وهم يسرجون مواجعهم غيمة من فضاء الحروف..

- كنت الفتى العربيّ الذي أسرجَ الليل بالخيلِ، والشعرِ
حين يحاصره ليل ”كافور“
كنت صدى ”طرفة العبد“ وهو يشاكسُ في دربه للسطور

الأخيرةِ أغنيةَ ”المتلمّسِ“

كنت «فم البئر» يبحثُ بين سطور القصيدة عنك..
- ويا امرأة زرعت وحشة العمر ليلًا
كلما سال كحلُ الغروب، ولاذ بوادٍ من العشقِ
ملء قصائد ألف ”ليلى وقيس“ ودارْ..

السؤال الرابع:

شاعرنا الفذ.. لا شك أن الشعر، رحلةٌ أبديةٌ في البحث عن قلق المعنى، ومحاولةٌ للمحو.. كما يقول قاسم حداد:

”يكتب كمن يريدُ أن يمحو شيئا“

أجدك تنظر للقصيدة داخل القصيدة.. ولعلك تجعل من النص فاعلا نقديّا. كما يعرف ب ”الميتا شعرية“

كيف تجلت ظاهرة التنظير لديك؟!

شفيق:

* لا تلتفت للنبعِ سرْ نحو المصبّ وقف متى عثر الطريقُ بهم هناك
يكفيك من غيم القصيدةِ زخّةُ المعنى، تبلُّ بها غليلَ الشعرِ
كي تلدَ الحروفُ معينها..
وتفضّ أبكار المجاز. ِ مجازِ رحلتك التي ابتدأت بأطراف الحكاية. حين باكرك الغناءُ ولم يكن في العودِ منْ وترٍ سواكْ. 

*.. يجيء على غيمة الاحتمالات حين يهيئ بئر الكتابةِ للبوحِ،
أسقي بها من ورود الكلام بقايا أحاديث عندما كان يغزلها
من ورود الكلام الذي...
تاركًا خلف ناصية النصِّ من أحجياتِ حكاياتها ألف بابٍ..

السؤال الخامس:

الأنثى.. لها حضور لافت في تجربتك الراقية..
وإن تعددت في تشكلاتها بين الأرض، والأم، والحبيبة
والقصيدة، والنفس.. تظل الأنثى في خطابها للروح هي الأقرب.. كيف تجلت لك بكامل مفاتنها؟!!

شفيق:

- يا امرأةً وحدها اكتملت في مداري
ويا امرأةً رحتُ أبذر في شمسها لون ظلّي، وأسرقُ منها نهاري
ويا امرأةً زرعت وحشة العمر «ليلا»
وراحت مع الموجِ تتثرُ أطيافها في مهبّ الديارِ
ويا منْ توهمتها سوف تكنسُ من وحشة القلب أظلاله
كلما سال كحلُ الغروبِ، ولاذ بوادٍ من العشقِ
ملء قصائد ألف ليلى وقيسٍ ودارِ.

- هنا كنتُ أغري «الصبايا» اللواتي تلاعبن بي
هنا كنتُ أرقب أميَ تطحنُ من حنطة العمر شيئا
لترسمه في المساء رغيفا...
هنا كنت أرقبها وهي تغزلُ شالًا لفاتنةٍ سوف تسرقني من يديها إذا ما اكتملتُ كقارورة الخمر قليلًا
وبعثرتُ أسرارها كالنبي

- أريدكِ أن تكسري جرة الحزنِ من سجن عينيك
كيما تضيء بها من جديدٍ طيورُ السلامْ
فقد أربكتني العيونُ التي لستُ أعرفُ ماذا تخبئُ من مطرِ
كلما رحتُ أحزمُ حرفي لأعبرها
مستثيرا بها حزمة الذكريات التي لم يزلْ أفقها
طافحًا بالغمامْ

- ربما
ربما كانت امرأة عابرة..
ربما صدفةً عبقَ القلبُ من أجلها
واستشاطت بعطر مفاتنها الأحرف الخائرةْ
لكنها لم تزل.. تشعل الذاكرةْ

السؤال السادس:

ماذا تقول لشاعرٍ يريد أن يبني شاعريته. ويشتغل على تجربته برؤيةٍ واعية..؟!

شفيق:

وصيتي الأولى:

- لا تغتسلْ يوما بماء الشعر، لا تكسرْ جرارك في مصباتِ الغوايةِ أيها المعجون منْ طين الكلام، وغيمة المعنى
وكن دوما كما أنت الأثير زمانه ما اسطعت
كنْ كلّ شيءٍ كي تكون بحقله شيئا..

وصيتي الثانية:

- لا تلتفت «كالنبعِ» سرْ نحو المصبّ، وقف متى عثر الطريق بهم هناكْ
في مطلعِ الأشياء ثمّةَ بركةٌ للضوءِ مشرعةُ الجهات
فخذْ لوجهتك الأخيرة بعض حيرتها ولا تسرفْ
لئلا يعتريك بها يقينُ الحائرين فلا تراكْ

- يكفيك من غيمِ القصيدةِ زخّةِ المعنى تبلّ بها غليل الشعر
كي تلد الحروفُ معينها
وتفضّ أبكار المجاز مجاز رحلتك التي ابتدأت بأطراف الحكاية
حين باكرك الغناء ولم يكن في العود منْ وتر سواكْ

السؤال السابع:

قلتَ ذات حوار شعري:

"سآخذ دور الناقد هنا برهة لرصد أكثر مفردتين احتلتا قاموس نصي الشعري وهما الرحيل والبحر

فإن لهاتين المفردتين من دلالة اللاسكون، معتقدا أن هذه العدوى تسربت من طقس مناخ الثمانينات... "

ضع لنا شواهد على هاتين الثيمتين!!

شفيق:

أولا معجم الرحيل.. وبعض متعلقاته حاضرة بكل حمولاتها

- يا زهرة الوادي مللنا الانتظارَ هنا
فلا صحراؤنا حبلت بقافلةِ السراب
نحن الذين ترمّلت أقدامنا باليتم فارتبنا
غداة تشبثت خطواتها خوفا بناية الطريقْ
يا أيها الحادي الذي شدّتْ رواحلنا به
فأضأت سامرها قصائد تستفزّ البيدَ كم عتقتنا فيها..

- من جداريةٍ كنت فيها الرحيل الذي راوغته المسافاتُ ردحا من الشوط حتى استجابت إليه.

ثانيا: معجم البحر، وهي متكاثرة في كل النصوص..

- يلتهبُ غيظا فكلّما تهدلت أوتار نوارسها
يفرحُ كلما شاهد مركبها في حلبة الرقص تخفقُ بأشرعةِ القفلةِ أهازيج العودة المعجون برائحة البحر

- لا موجةً تعبت من مشاكسة البحر فانتعلت شوطها «نورسا» للشواطئ فاستدرجتها مالك..

السؤال الثامن:

أستاذي أبا فراس..

كنت تحتفي بالكلام باعتباره معادلا وجودي للذات وحضور الأنا الشاعرة فتقول مثلا:

- على غيمةٍ في أقاصي الكلام.. أدرت بنا دفة الأبجديةِ يا زهرة البوح..

وفي الوقت ذاته احتفيت بالصمت

وجعلت منه تعبيرا إشاريا، ونفخت في من روح المجاز فأصبح فاعلا بهيأة صائتة.

حدثنا عن بعض تلك اللفتات، وأنت توظف الصمت وتؤنسنه؟!

شفيق:

- أريدكِ أن تعبري برزخ الصمتِ
كي تتنفسَ أقفاصه بورودِ الكلام..

- يصلي هو الآن
من هامشِِ الوقت يحيا...
بعد سنين انتظاركِ بالشعر، كي يزهر الصمتُ في شفتيه.

- واستدرتَ كغيمة الصبح الأسيرةِ
م غلا في الصمت

السؤال التاسع:

في الختام أود أن تلخص لي بعبارة قصيرة جدا

القطيف.. بماذا يصفها شفيق؟! 

شفيق:

القطيف..
مدينةٌ لا يخطئها القلب..

- وكيف تصف طبيعتها!؟

منذ عرفتها أجفانها مكتحلةٌ بالسهر
آذانها مغموسةٌ بالضوضاء

- وما الذي يعجبك فيها؟!

يعجبني خيالها الأبدي

شكرًا لروحك الشفيفة.. وأنت تنثر لآلئ المجاز

وتحرث أرض الكلام بالكلام