آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

النبي (ص) التاريخ المشرف والمصيبة العظمى

عبد الرزاق الكوي

سيرة ومكانة وصفات وخلق النبي ﷺ أخبرنا بها الله سبحانه وتعالى، وهو العارف بقدرة وسمو خلق نبيه، مكانة مرموقة ليس لأحد مثلها منذ خلق الله تعالى البشرية، شرفه بأسمى آيات التشريف وكرمه بأكمل وأعلى آيات التكريم، أسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة، وتوجه بأعظم أنواع التبجيل قدرا وذكرا.

وكذلك عرف من كلمات الإمام علي وفاطمة الزهراء المقربين منه من أحبهم، وأحبوه بما له من جلالة قدر؛ ولهذا كان حزنهم على فراقه أشد وقعة على نفوسهم.

أما ما كتب عن الرسول ﷺ من قبل باقي البشر من المراجع الكرام والعلماء الأفاضل والكتاب الفطاحل والمفكرين أصحاب الباع في العلم من شتى الأديان، رغم عظيم كتاباتهم والقدرة على البيان والفصاحة وعمق التفكير سيجد الأمر صعبا، بل في غاية الصعوبة لا يساوي نقطة في بحر مكانته ﷺ، إنما الكتابة عن هذه الشخصية العظيمة فخرا لكاتبها وشرفا عظيم أن تحظى هذه الكتابة بالقبول والقربة عند النبي ﷺ، وتطهير للقلب وبركة للنفس وأجر وثواب في ميزان الأعمال لمن كتب ولمن قرأ هذه السيرة العطرة وحزن لفراق خير البشر وسيد المرسلين.

هذه الشخصية العظيمة أنقذت البشرية من الضلال للهداية، ومن الجاهلية إلى مصاف خير الأمم، من مجتمع غارق في التخلف والهمجية وعبادة الأصنام والانحرافات إلى عبادة الله سبحانه وتعالى وما يترتب على ذلك من سمو خلق وشرف مكانة، وحد المجتمع قاوم من أجل ذلك الفتن والحروب والحصار والتشكيك، قاوم بإرادة صلبة بما يملك من مقومات القيادة الروحية، فقد كان القدوة والصادق الأمين حتى قبل رسالته، قاد مجتمعه والمجتمعات الأخرى إلى بر الأمان برابط من الأخوة والرحمة والتفاني من أجل نجاح الرسالة، لم تبرز شخصية مثل كمال شخصية النبي ﷺ بما أحدثه من تغيير على كل المستويات في التاريخ الإنساني حقق نجاحات غير مسبوقة أسس حضارة متكاملة يشار لها بالبنان على مر الأجيال يبقى هو الأول الذي تحتاجه المجتمعات في كل زمان ومكان في ظل بعد البشرية عن التعاليم السماوية وسيطرة الفكر المادي المنحرف على العالم؛ مما ولد الكوارث والتخلف والفقر والحروب في كل مكان والأمراض الفتاكة من أجل القضاء على العالم الذي جعلت محط تجارب من عقول مريضة وقلوب سوداء، سلبت الحقوق وانتهكت كرامة الإنسان، وبانت الفوارق بين الأبيض والأسود وبين الأعراق أصبح العالم طبقات، يبحث العالم عن طوق نجاة، حيث لم تفرق الرسالة الإسلامية بين الجميع فالناس سواسية لا فرق بين عربي وعجمي ولا أسود وأبيض ولا فقير وغني المقياس والقرب من الله تعالى ورسوله هو التقوى.

التطرق لمصيبة فقد النبي ﷺ وهي فاجعة عظمى وأمر جلل، لم يشهد التاريخ بعظمة فقد أحد كما فقد نبي الرحمة حبيب إله رب العالمين، نعى نفسه الزكية مما تركت أثرها في نفوس الصحابة بشكل عام والمقربين من أهل بيته بشكل خاص وبالأخص الإمام علي والسيدة العظيمة فاطمة الزهراء ، فقد كانت وفاته يوم الإثنين الثامن والعشرين من صفر لعام الحادي عشر للهجرة، فقدانه ﷺ منعطفا مصيريا، ارتحل ملبيا نداء ربه، بعد ما أكمل رسالته، وأتم نعمته وقدم للبشرية معالم الهداية وكرامة الإنسان والقدوة الصالحة لمن أراد الدنيا والآخرة.

فراق أفجع قلب الزهراء وهي أم أبيها المقربة من دون الخلق عنده، بكت طيلة فراقهم الذي لم يطل ولم تستطع الصبر على الآلام ورثته ، قائله:

قُل للمغيّبِ تحتَ أطباقِ الثرى ** إن كُنتَ تسمعُ صرختِي وندائيا

صُبّت عليَّ مصائبٌ لو أنَّها ** صُبّت على الأيّامِ صرنَ لياليا

فلأجعلنَّ الحُزنَ بعدَكَ مُؤنسي ** ولأجعلنَّ الدمعَ فيكَ وشاحيا

ماذا على مَن شمَّ تربةَ أحمدَ ** ألّا يشمَّ مدى الزمانِ غواليا

كما رثاه ﷺ الإمام علي وهو صاحب الفجيعة الذي لم يكن بالأمر الهين فراقه فهو العارف بمكانة النبي ﷺ والرفيقين الذين كرسا حياتهما منذ انطلاق الرسالة لعزة الإسلام والدفاع عن قيمه حيث قال:

نفسي على زفراتِها محبوسةٌ ** يا ليتَها خرجت معَ الزفراتِ

لا خير بعدَكَ في الحياةِ وإنَّما ** أخشى مخافةً أن تطولَ حياتي

عظم الله أجركم في هذا المصاب العظيم، وشمل الجميع بركات القبول في تقديم واجب العزاء.