آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 3:01 م

لنخلع عباءة ”الوهم“

حسين علي حبيل

كثيرةٌ هي الأفكار التي يصارعها العقل فتصرعه، ويبذل المرء جهدًا جاهدًا للتخلص منها.

حين تستمع إلى أنشودة أو مقطوعة موسيقية تحبها سترفع صوت المذياع إلى أقصى حد لعل تردد الألحان يعلو فوق صوت القلق الذي ينتابك حول تلك الفكرة الملحّة.

أتساءل: هل هذه الأفكار التي تقلقنا حقيقية؟ أم محض أوهام لا أساس لها؟

وما الذي يجعلنا نثق بذاكرة الإنسان المعرضة للنسيان والاشتباه؟

قرأت مؤخرًا عن ظاهرة تُدعى -PHANTOM LIMB- أو ما يعرف بوهم الأطراف «اضطراب إدراكي يتوهم المصاب به أن الأطراف ”الأعضاء“ التي بُترت من جسده لا زالت موجودة تتحرك مع بقية جسده، فيشعر بالألم».

أنتَ حين تفقد عضوًا من جسدك أو إنسانًا عزيزًا على قلبك، فسيلازمك الألم جرّاء ذلك.

لأنَّ عقلك يرفض أن تفقد شيئًا كان جزءًا منك، ستعيش أو تتعايش مع آلامك لفترة حتى تتلاشى شيئًا فشيئًا؛ لتسمح أخيرًا بوابة العقل بمرور أفكار وأحداث أخرى تحتل مكانًا جديدًا في ذاكرتك.

كيف يجدر بك أن تضمد جراحات فقدك؟ إنَّ لكل إنسان في هذا العالم طريقته الخاصة في التئام جروحه، فمنا من يبتلع حزنه سريعًا، والبعض يكتفي بإحياء ذكرى الفقد الأليمة، ويحملها معه إلى مثواه الأخير.

دعا الفلاسفة الرواقيون ك ”سينيكا“ للتطهر من الحزن؛ لتعيش الروح المكلومة في حالة من النقاء والصفاء.

ربما تبدو هذه الفكرة قاسية أو لا إنسانية، فالحزن شعور فطري يتملك الإنسان، ولا سبيل للتجرد التام منه، وإلا سيتحول الإنسان إلى كتلة جوفاء بلا معنى.

من المحتمل جدًا برأيي أن الفلاسفة كما عجزوا في مواجهة الموت والفناء تعثرت خطواتهم أمام الحزن، فرأوا في التخلص والحد من تأثيره علاجًا نافعًا للبشرية.

تجعلنا الأوهام القابعة في أذهاننا القلقة نتحمل البؤس والحزن وكأننا خُلقنا لنَحزَن! أو خرجنا من الأرحام لنُحرَم من لذيذ العيش.

أخيرًا لقد غرقنا في القلق حتى توهمنا واختلقنا ”معاناة وآلام وعداوات“ لا وجود لها في أرض الواقع إلا في خيالات أصحابها، وانشغلنا في البحث عن حبل نجاة هنا أو طوق نتعلق به متناسين أن السراب وهم لا يسقي العطاشى، وأن الحقيقة واضحة كالشمس في كبد النهار.

كما فتح الفلاسفة جراحاتهم لعلاجها بكل شجاعة، وقدموا عزاءاتهم العديدة، ومثلما قدم الفيلسوف أبو نصر الفارابي آراءه حول مدينته الفاضلة، لنخلع عباءات مزيفة للوهم النخبوي والحداثيّ ولكل وهم من أدبياتنا.