آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 1:35 م

عاشوراء في الضمير الاجتماعي

ليالي الفرج *

يأتي الموسم العاشورائي كل عام وسط انتظار مُلِحّ داخل الضمير الاجتماعي الذي يترقب آمل اللحظات التي يأخذ فيه هلال المحرّم صفحة السماء التي بكت الحسين ، كما ورد في الروايات الحديثية والتاريخية على نحو سواء.

ولأن الحالة الوجدانية المرتبطة مع قضية الإمام الحسين عليه وعلى أهل بيته وأنصاره السلام، هي فعل مستمر في نشاطه وتجدّده، فإنّ مساحة واسعة من الوعي النشط ترفد حجم التراكم المعرفي عند كل جيل ضمن البِنَى المجتمعية المتأثرة بهذا التجلّي في بعديه الأفقي والرأسي.

وبداية، قد ترشح بعض الأسئلة لدى كثيرين حول بعض التفاصيل الواسعة في قضية عاشوراء الحسينية التي نعيشها في الراهن العاشورائي. ولعل تقسيم مستويات هذه الأسئلة قد تأتي على عدة مستويات أو حسب أكثر من جهة استفهام؛ ومن ذلك ما يتم تصنيفه حسب الفئة العمرية، فلا يمكن أن يكون وعي مرحلة الطفولة بمجمل التفاصيل مساو للفئات العمرية الأكبر، وهذا يستدعي تشكل مستويات خطاب متنوع الوسائل، ولا سيما في عصرنا الذي تدخل معها حالات التلقّي فضاءات متمددة الاتساع في مساحاتها وأدواتها وتأثيرات كلّ منها.

وفي طفولتنا كما في طفولة أبنائنا، أطلقت أذهاننا وتنبثق في أذهان أبنائنا - كما ذكرنا - أسئلة بريئة وبسيطة حول التاريخ والثقافة والعاطفة التي تتموج في أغلبها وتيرة عفوية نتيجة حجم الدهشة والانبهار الذي يطرق صفحات الحالة الفكرية لدى الفئة العمرية الناشئة، هي أسئلة حول هذا الزخم المهيب من الفعل والفعاليات والأدوات، إلى أن تأتي إجابات الأب أو الأم وغيرهما في داخل الأسرة الواحدة، وبأسلوب سهل الاستيعاب.

ومن الشخصيات التي كانت تسجل فضل التعرف على كربلاء القضية وكربلاء التاريخ، شخصية المفكر والكاتب والمسرحي المبدع المتمثلة في المصريّ الراحل المرحوم عبد الرحمن الشرقاوي، صاحب النصين المسرحيين الشهيرين؛ «الحسينُ ثائراً»، و«الحسين شهيداً «، وهما النصّان اللذان سعى الشرقاوي إلى تنفيذهما مسرحياً لولا بعض العقبات، والحديث هنا عن الشرقاوي الذي كتب في إهداء هذين النصين كلمات تبين البذرة الأولى التي ربطته بقضية باذخة الحضور تاريخياً وأدبياً وإنسانياً.

إنه يقول بعد البسملة: ”إلى ذكرى أمّي أهدي مسرحيتي «الحسين ثائراً» و«الحسين شهيداً».. لقد حاولت من خلالهما أن أقدم لقارئ عصرنا ولمشاهد المسرح فيه أروع بطولة عرفها التاريخ الإنساني كلّه، دون أن أتورط في تسجيل التاريخ بشخوصه وتفاصيله التي لا أملك أن أقطع فيها بيقين.“

وفي فقرة ثانية من إهدائه يقول: ”إلى ذِكْرِ أمّي التي علمتني منذ الطفولة أن أُحِبَّ الحسين، ذلك الحُبُّ الحزين الذي يخالطه الإعجاب والإكبار والشجن، ويثير في النفس أسىً غامضاً، وحنيناً خارقاً إلى الحريّة والإخاء...“

منتهى القول أنّ منشأ هذه العلاقة الوجدانية مع الحسين كانت الأمّ، وهنا يجدر بالكلمة أن تشكر جمعي الفعاليات الحسينية التي تبدع في استيعاب الفئات العمرية الناشئة، وتؤكد على الأخلاق الفاضلة والالتزام بالأنظمة والتوجيهات في كلّ سياقاتها وأبعادها.

ومن جهة أخرى، يجب الاهتمام بصناعة المحتوى الإلكتروني المرتبط بعاشوراء، فلا يمكن أن يكون المحتوى منتمٍ إلى أي نوع من الإسفاف أو السذاجة القولية أو السلوكية؛ وكمثال: يأتي صانع محتوى في تصوير مرئيّ، يحفّز خلاله طفلاً، بمنحه جائزة يعرضها أمامه، وبعد أن يوافق الطفل، وبأسلوب الصدّمة، يطلب منه أن يمتنع عن ممارسة تتعارض مع قيم عاشوراء الإمام الحسين، وهذا فضلاً عن كونه - ولو احتمالاً - فعلاً يتعارض مع أنظمة صناعة المحتوى، إلاَ أنّه يتجاوز على براءة الطفل دون قصد ولكن على قاعدة: يريد أن ينفعك، فيضرّك، وهذا عائد لعدم إدراك مفهوم المحتوى النافع

إنّ مجموع الضمير الاجتماعي الشامل في عاشوراء الإمام الحسين يجب أن يكون نقياً وبارعاً في الحضور الإيجابي بكل معانيه وملامح تأثيره المحمود، ولعلّ من الأمثلة التي كان أجيال الأجداد والآباء في مناطقنا يتداولونها في عاشوراء هو تفريقهم بين مفردتي ”البركة والطهارة“؛ وذلك عند شعيرة الإطعام في عاشوراء وغيرها من المناسبات المرتبطة بالنبي الكريم وأهل البيت ؛ فهم يستخدمون لفظ أو مفردة «بَرَكَة» في مناسبات مواليد النبي وأهل بيته عليهم السّلام، بينما يوظفون لفظ «طهارة» في عاشوراء وفي مناسبات وفيات أهل البيت ، مراعاة لمقتضى الحال، فكل تعبير لما يناسبه، بينما مع التحولات الثقافية نتيجة الإعلام الفضائي ساد لفظ «بَرَكَة» في التداول الاجتماعي.

”السَّلام عَلَيْكَ يَا أبا عَبْدِ اللهِ وَعلَى الأرواحِ الّتي حَلّتْ بِفِنائِكَ، وَأنَاخَت برَحْلِك، عَلَيْكًم مِنِّي سَلامُ اللهِ أبَداً مَا بَقِيتُ وَبَقِيَ الليْلُ وَالنَّهارُ، وَلا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ العَهْدِ مِنِّي لِزِيَارَتِكُمْ أهْلَ البَيتِ، السَّلام عَلَى الحُسَيْن، وَعَلَى عَليِّ بْنِ الحُسَيْنِ، وَعَلَى أوْلادِ الحُسَيْنِ، وَعَلَى أصْحابِ الحُسَين.“

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
زكريا أبو سرير
[ تاروت ]: 30 / 7 / 2023م - 10:39 م
ابداع أيتها الكاتبة المتألقة مقال في منتهة الروعة ، ودمتِ في توفيقات الله ورعايته، وعظم الله أجوركم وأجورنا، وأعاده الله علينا وعليكم في أحسن حال.
كاتبة رأي في صحيفة الشرق السعودية
شاعرة ومهتمة بترجمة بعض النصوص الأدبية العالمية إلى العربية ، ولها عدَّة بحوث في المجال التربوي.