واجباتُ المرءِ وأدوارهُ
للفرد ”واجبات“ يجتهد في تنفيذها، تتنوع ما بين شرعية كالصلاة والحج والصيام، وأخلاقية كالاحترام والكرم وإفساح الطريق للأكبر سنًّا، ووظيفية كالإنجاز والمتابعة والتحقق، وتربوية كالنصيحة والرعاية والاهتمام، وثقافية كالتداول والقراءة وإبداء الرأي، واقتصادية كضبط الإنفاق وترشيد الميزانية وعدم الوقوع في الإفلاس.
”تتنوع“ الواجبات بتنوع الأزمنة والأمكنة، فواجبات شهر رمضان تختلف عن واجبات شهر ذي الحجة، ففي الأول يجب الصوم، وفي الثاني يجب الحج، كذلك حين يكون المرء في مقر عمله، ستختلف واجباته عن واجبات وجوده في المسجد، أو المنزل؛ إذ لكل مكان ما يناسبه من واجبات ينبغي التأكُّد من الالتزام بها.
الواجب نوع من ”التعاقد“ بين فرد وجهة ينتمي إليها، فواجب الأب في المنزل، يختلف عن واجبه كمسلم، كما يختلف عن واجبه كمعلِّم، ويختلف أيضاً عن واجبه كصديق حين يزوره صديقه، كما يختلف عن واجبه كابن تجاه والديه، فالواجبات وإن تنوعت وتعدَّدت إلا أن بينها حدوداً وفواصل يسهل تمييزها.
لا فرق بين الأفراد في نوعية الواجبات؛ إذ تتشابه السلوكيات، رغم اختلاف الجهات التي ينتمون إليها، فالابن في جميع الحالات سيظل ابناً، وسيتواصل مع أبويه بواجب البنوَّة، مهما بلغ في المنزلة والمكانة والوظيفة والجنس، التي تظلُّ أموراً متغيرة متبدِّلة.
”دور“ الفرد يختلف عن واجبه؛ فإذا كانت الواجبات إلزامية، أو شبيهة بالإلزامية، ويستحق تاركها العقوبة والتوبيخ؛ كما هو شأن الصلاة، أو المتابعة، أو الاحترام، أو الرعاية، فإن الأدوار أشدُّ إلزاميَّة؛ لأن الضرر فيها يتجاوز تاركَها إلى مجتمعه، فالأب الذي يُهمل تربية أبنائه، والمعلم الذي يُهمل التأكُّد من استيعاب تلاميذه، والمؤذِّن الذي يُهمل وقت الأذان ولا يعتني به؛ سيجنُون على المجتمع، كلٌّ بطريقته وأسلوبه.
الأدوار ”تختلف“ عن الواجبات؛ إذ يتم إسنادها لمن يمتلك القدرة والكفاءة، وهما الصفتان الضروريتان لكل فرد يمارس دوراً تجاه أمرٍ من الأمور، حيث فقد صفة واحدة؛ يؤدي إلى إخلال بالدور، بينما فقد الصفتين؛ يؤدي إلى عجز في أدائه، وإن ادَّعى عكس ذلك، فالمعلم الذي يفتقد الكفاءة في العمل، والقدرة على القيام به؛ سيقف عاجزاً حائراً أمام جموع تلامذته، والأب الذي يفتقد الكفاءة في إدارة أسرته، والقدرة على توفير حياة كريمة لها؛ سيقف عاجزاً حائراً أمام زوجته وأبنائه.
حينما يُصاب الفرد بالعجز والحيرة، لعدم استطاعته تأدية دوره على الوجه الأمثل، يصبح البحث عن ”بديل“ أمراً ملحًّا، لأن استمراره يُعد خطأ فادحاً، وربما نُظر إليه باعتباره جريمة؛ حيث يتجاوز تأثيره الأفراد إلى المجتمع ككل.
”الأكلاف الباهظة“ ثمنٌ يدفعه المجتمع، الذي لا يُجيد اختيار أدوار الأشخاص، فيسندها إلى غير المؤهلين، وغير القادرين على تنفيذها بصورة سليمة، وهو ما سيؤدي إلى بروز تذمُّر وشكوى حيالهم.
التذمُّر والشكوى حالتان صحيتان؛ إذ يمكن اعتبارهما ”مقياس“ اً؛ يقيس أداء الفرد لدوره، فإذا أجاد وقدَّمه بكفاءة وقدرة؛ نال الثناء والمديح، أما إذا أخفق في تأديته، ولم يستطع القيام به على الوجه الأمثل، فمن الطبيعي أن يصدر عن المستفيد عدم الرضا، أو الاقتناع بجدوى ما يقوم به.
الرضا والاقتناع بالجدوى أمرٌ ذو أهميَّة في حياة الفرد، لكن بالنسبة إلى المجتمعات، ليس هنالك ما يُسمى ”الرضا والاقتناع التام“، فواجب المعلم شرح الدروس أمَّا دوره فالتأكُّد من فهم التلاميذ، وواجب الأب توفير الحياة الكريمة، أمَّا دوره فتربية الأبناء تربية جيدة، مثلما أن واجب صاحب العمل تسديد أجرة العامل، أمَّا دوره فتنمية الاقتصاد وزيادة دورة رأس المال، وهو مطلب ربما لا يتحقق.