آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 6:12 م

عمل المرأة، بين الحق والتبعات

غسان علي بوخمسين

تسبب الدخول الكثيف والسريع للمرأة إلى سوق العمل في السنوات الأخيرة، في بروز ظواهر سلبية للنساء العاملات لم تكن موجودة سابقاً بهذه الحدة والانتشار، أحدها المتاعب النفسية للمرأة العاملة.

بحكم عملي في الصيدلية، بدأت ألاحظ كثرة الموظفات اللاتي يتناولن أدوية مهدئة ومنومة وغيرها من الأدوية النفسية أكثر من غيرهن.

لا أقول أن العمل هو السبب الرئيس لذلك، لكنه بالتأكيد عامل محفز ومهم لهذه المتاعب. فضغوط الدوام في وظيفة لساعات طويلة، والأدوار المتعددة المناطة بالمرأة العاملة في الوظيفة والمنزل والمجتمع، والواجبات المرهقة والمتعددة المفروضة عليها، كونها موظفة وزوجة وأم في نفس الوقت. بات ذلك مبعث تحديات كثيرة عليها مواجهتها.

المرأة بطبيعة تكوينها عاطفية وسريعة الانفعال، وليست مستعدة بيولوجياً ونفسياً لكل هذه الضغوط النفسية الهائلة في العمل والبيت، فبيئة العمل كما نعلم تنافسية لا ترحم أحداً، ومهما وُضعت القوانين الناظمة التي تكفل حق المرأة وتراعي وضعها الخاص، إلا أن هذه القوانين ستظل قاصرة عن حمايتها بالشكل المطلوب، وستعاني أكثر من الرجل وقد تصاب بالاحتراق الوظيفي.

قد تكون المرأة أخطأت بإصرارها على مزاحمة الرجل، والقبول بدخول سوق العمل بدون تأنٍ وتدبر في العواقب، ومهما كان ذلك العمل متعباً وقاسياً وغير ملائم، فلماذا تقبل فتاة مثلاً بوظيفة مرهقة جداً في ظروف صعبة وغير ملائمة وبراتب زهيد جداً؟ فهذا قد يضر بصحتها النفسية وسلامتها العقلية، فهي بحكم تكوينها الضعيف أكثر عرضة للأمراض النفسية للأسف.

لا أحتاج للتأكيد على حق المرأة في العمل إذا أرادت، لكنه ليس واجباً مؤكداً عليها كالرجل، فهي ليست مطالبة بنفقة على زوج وأولاد ووالدين وغيرهم.

بعض النساء يطالبن بوجوب وصول المرأة إلى الاستقلالية المالية وهذا ما تضمنه لها الوظيفة، ولا أرى في ذلك بأساً، ولكن هذا قد يحمل في طياته بعض المشاكل، أهونها النظرة الدونية من طرف المرأة العاملة تجاه ربة البيت، وأنها أدنى درجة منها، وهذا ظلم عظيم في حق ربة البيت التي تقوم بدور المرأة الأصيل والشرعي في إدارة الأسرة وتربية الأولاد، وأخطر تلك المشاكل هو شعور الزوجة العاملة الواهم بعدم حاجتها للزوج، وعدم اعتبارها وقوع الطلاق مشكلة، كونها مستقلة مادياً ومكتفية!.

المجتمع بحاجة لعمل المرأة في مجالات عديدة لا يمكن الاستغناء عنها، والعمل حق لها إذا أرادت، ومن حقها كذلك أن يكون لها دخل ثابت ونوع من الاستقلالية المالية، ولكن بشرط أن تتحلى المرأة بالحكمة والوعي، وتظل محافظة على النظام الأسري الذي أقره الإسلام، والذي يكفل للرجل الرئاسة والقوامة في مؤسسة الأسرة، وأن لا تنازعه هذا الحق والدور، الذي كلفه الله به، حتى تستقر الأسرة، وباستقرار الأسرة يستقر المجتمع ويزدهر.

في الختام، أعلم أن القضية أكثر تشعباً واتساعاً مما قلته، وفيها الكثير من التفاصيل شأن كل قضية كبيرة وعامة، لكني أحببت الإضاءة على جزء من القضية، خصوصاً أنه مقال قصير لايحتمل الإطالة والتوسع، والهدف هو مجرد إشارة وتنبيه لجزئية محددة في موضوع كبير وواسع.

لا أضع نفسي في موضع الوصي أو من يقدم النصيحة والوعظ، فليس هذا هدفي من المقال، إنما أردت التأكيد على ضرورة الرجوع إلى الأصل الشرعي والتاريخي الذي نؤمن به وتربينا عليه، وهو قوامة الرجل وقيادته للأسرة، وكونه هو الراعي لها وهو المسؤول عن النفقة، وعمل المرأة المتزوجة هو شأن شخصي وحق لها، لكنه ليس الوظيفة الرئيسة لها، بل القيام بأسرتها هو تكليفها الشرعي الأصلي، واذا أرادت العمل، عليها دراسة الأمر من جميع جوانبه، الاقتصادية والنفسية والأسرية وغيرها. فعليها التأكد من نجاحها في تحمل أعباء العمل، والموازنة بين وظيفتها ومسؤولياتها الأسرية حتى تحقق التوازن والاستقرار لها ولأسرتها.