آخر تحديث: 3 / 12 / 2024م - 8:39 م

الحلقة السابعة من سلسلة حوارات خيالية بين الشاعر علي بن مكي الشيخ ودواوين مجموعة من الشعراء‎‎

ديوان ”ظمأٌ أزرق“.. للشاعرة السعودية حوراء الهميلي - الأحساء

علي مكي الشيخ

شاعرة الوطن، ابنة الأحساء، كان الرهان وما زال على تجربتها المتفردة، من بين الشواعر المعاصرات..

حوراء.. لي الشرف هنا وأن أسرح بريد التأمل الخيالي.. أن اتثاقف معك عبر ”ظمئك الأزرق“.

السؤال الأول:

في أي زمن كان مولد الشاعرة.. وماذا صاحبه من إرهاصات!؟

حوراء:

في يومٍ ربيعيٍّ
يعانقُ ظلُّ أشجار الصنوبرِ تربكَ الأرض.
ففي «ديسمبرٍ»
أمي غالبت بابتسامتها التوجعَ،
ساعة الميلاد تلمسُ وجهي القمريَّ
كفّاها حريرٌ من خيوطِ الحب، وبأول ليلة رئتي تتنفّسُ من مزيج روائح الأرض، التي في كفّ والدتي..

- ماشاء الله ولادة تليق شاعرة بحجمك..

السؤال الثاني:

قلت في إهدائك..

إلى ظمئي الأول..
وهو ينحتُ شفاهَ الوقت،
إليه وحدَه
انهمارًا أبدًا في عمري
إلى أبي

ونعلم أن أباك الغالي رحل عنك مبكرا..

كيف يحضر معك داخل الممارسة الكتابية، وكيف كنت تناجينه؟!

حوراء:

ألف رحمة عليك يا أبي..
ما زالت تحتلني روح هذا الكائن الذي لم أمتع كثيرا بوجوده.. ومازلت أستشعر اليتم بعده
لهذا ترشح ذكره في مواضع عديدة خلال تجربتي الشعرية وإليك بعضها:

وقطعتُ شوطَ الذكريات وحيدةً
طيفُ اليتيمة.
لم يزل يجتاحُ ذاكرتي
يا والدي..
لم أستطع ترك الفتاةِ وحيدة خلفي
ترتبُ دمعها.

- وفي نصي: ”فوق صحائف الأبد“

أشكل من خيوط الشمسِ في الإطلالة الخجلى
ملامحَ والدي الراحلْ...
ملامحه القديمةُ
ربما تتسلُّ من كفيَّ رملًا من حنينٍ غصَّ
بالخطوات فوق شواطئ الأحزانْ

- وكذلك في نص ”لحنٌ تكسر فوق أصداء الغياب“

داخلي بركانُ شوقٍ
لستُ أقوى يا أبي إخمادهُ
...
ها أنا وحدي
إذا نام الجميعُ أراكَ تحرسُ وجهها.

السؤال الثالث:

تقولين في نص ”لحظة ضوئية في دوامة الأزل“

أهوى التفرد إذ لا شيءَ يشبهني
إلّايَ أنثى وما مرّت على رجلِ

تتجلى خطابية الأنثى بكل عنفوان، فكيف تمظهرت بهذه النبرة التي تعيد للأنثى مكانتها الشعرية؟!

حوراء:

جميل جدا..

كنت مسكونة بهاجس الهُوية أولا.. وبشغف التحرر من عتمة الانغلاق.. فحاولت أن أظهر بانتمائاتي كأنثى..

وجدتني أنطلق، وأغذ السير لإبراز مكانتي كأنثى، فكتبت الآتي:

- أنا في
قوة الأنثى رياح
تعربدُ في الوجود بلا انحسارِ

أنا في
دمعةِ الأنثى ضياعٌ
رمادٌ ثارَ في حفلِ انفجارِ

- أجهضت
ذاكرةَ الطفولة من دمي
ونفضتُ عن وجهي رماد أنوثتي
فلربما حاولتُ هندسةَ الجراح..

واقرأ ما وقعته عن غريزة الأنثى..
برغم الوعي واللاوعي
أحملُ في دمايَ غريزة الأنثى

- وأكتبها لتكتبني
تُرى من ذا يضاهي في الشعور
عواطفِ الأنثى
إذا ما أصبحتْ أُمّا..

- أنثى
هبطتْ للأرض خطّتْ رجلها
في الطين
جذرًا شدّ سيقانَ الأماني وانتصب.

السؤال الرابع:

يقول شاعرنا الكبير جاسم الصحيح:

والحبُّ خاطرةُ الإله تألقت
قِدمًا بأجملِ فكرةٍ في ذهنهِ

الحبّ سرُّ الله لا نرقى لهُ
إلّا بأنثى، من صناعةِ فنّهِ

هو الحبّ.. المتسرب في كل شيء ولا يخلو منه شيء.

كيف عبّرت حوراء عن هذا الكائن بمنظورها الشعري؟!

حوراء:

تماما كما تفضلت عزيزي.. فقد توزع موضوع الحب في جنبات مترامية وإليك بعضها..

- كفّ تمدّ لنا من عالمٍ غيبي
مشيئة الحبّ كانت خطّة الرّبِ

- الحبّ
ذنبٌ وغفرانٌ لمعصيتي
وأطهر فالذنبُ ما ذاتي تقدّسُهُ
ذنبي
أحبك هل قلبي يكذبني؟!
أم وأهم - ملء إحساسي - تفرُّسُهُ

- أحبه
حجم تشكيكي وهلوستي
حجم احتياجي الذي في الروح أحبسُهُ

الحبّ كالروح
حرٌ غامضٌ وجلي
الكونُ ليس سوى قيدٍ ومعتقلِ

- حرّرتني
بالحبِّ حين وجدتني
الحبّ يُقتلُ لو مضى بقيودِ
ماسرّ هذا
الحبِّ يكبرُ داخلي
الكون متسعٌ بغيرِ حدودِ

- كذبَ الذي
قد قال: إن الحبّ
يهزمه تمرّدُ شاعره

- جميلةٌ هذه الفهرسة للحب.. اختميها بمثال أخير

- الحبّ عرس الذكريات قبلته
وتخذتُ من دمع الحنين صداقي

السؤال الخامس:

الشاعر العراقي حميد سعيد يقول:

”أعترف بأنّ الأسئلة التي تستعصي عليّ إجابتها.. أواجهها بأسئلة أخرى، أجدني في فضاء فكريّ أوسع..“

وكما هو متعارف في المناخ النقدي أن المبدع هو من يثير في فنه طرح الأسئلة الوجودية..

لا ليجد حلولها.. ولكن ليظهر مدى علاقته بها وكيف يقدمها للتأمل والكشف الجمالي

حوراء.. تناولت هذا المفهوم كثيرا.. حتى أن لفظة السؤال/الأسئلة، ظهرت بشكلها الصريح..

كيف تناولها ونثرتها خلال تجربتك الشعرية؟!

حوراء:

فتحت جانبا مهما لكل شاعر ومبدع

فثقافة السؤال تصنع الجمال والوعي.. بكل مديات..

فاقرأ ما سطرته في ظمئي الأزرق:

- حبلى
بأسئلة الوجود هززتُها
سقطَ المجاز بلونهِ الفتّانِ

- نبوءة
عرشيَ العاجيّ شكُ
المرايا في انعكاسِ تساؤلاتي

- أعبرُ الأفق
باحثًا عن وجودي
لُجّتي فكرةٌ سؤالي فنارُ

- عمّدتُ أسئلتي الوليدة.. ربّما
تسعُ الحقيقة وحشة الأكفانِ

- إلى أيّ كونٍ
عبقريٍّ سننتمي
يغذّي فضولي في الحياةِ سؤالُها

ما أرق هذه التساؤلات وهي تفتح نوافذ الخيال والوعي

السؤال السادس:

في سؤال وجهه الأديب حسين الجفال للشاعرة بثينة اليتيم

- هل البشر قادرين أن يتجددوا بالنسيان؟!

فأجابته:

- النسيان حضور آخر أكثر كثافة، أنت حين تنسى تهذبك النقائص..

حوراء.. ماذا يعني لك النسيان؟!

وما مكانته في شعرك؟!

حوراء:

النسيان.. يتمدد عندي بأشكال متنوعة

فتارة يكون على شكل شارع.. وفي ذلك أقول:

- مضيتُ بشارع النسيان وحدي
وخلفي الشمس تسند لي ثيابي

وتارة يكون متاهة:

- سرّبتُ قلبي من شقوق قصائدي
لتجوزَ فيَّ متاهةُ الإنسانِ

ويتحول إلى خريطة:

- ذكائي العاطفيّ ويمرُّ فوق خريطةِ النسيانِ
منتبها لرائحة الغيابِ.

السؤال السابع:

الشاعر هو من يكسر أفق التوقع.. ويتمرد على المألوف، كما حوّل جاسم الصحيح.. ”الشك“ من مفهومه السلبي، إلى جعله فاعل ومعادل موضوعي، وذلك في قوله:

كما يشكّ نبيٌّ في صحابته
أشكُ في كلّ أحلامي وغاياتي

وأنت كيف كانت مفردة الشك تتجول في نصوصك المخاتلة؟!

حوراء:

ذكرتني بمقولة للشاعر الجميل على سباع

يقول: ”النص بغير هاجس الشك نصٌّ ميت“

سأكتفي بذكر بعض النماذج

- أثقلت
خطوتي المحطاتُ مشيًا
سككي الشك واليقينُ القطار!!

- حاولتُ
فلسفتي بشكلٍ آخرٍ
فالشّكُ برهن مبدأ الإيمانِ

- شكي المحطم
قيد الوقتِ حرّرني
لكنْ يقينيَ مجبولٌ على صَلْبي

السؤال الثامن:

موضوع التناص الذي قعدت له الناقدة جوليا كريستيفا، وهو باب واسع..

ولكن باختصار أريد منك نموذجين للتناص القرآني حضرا في نصوص ظمئك الأزرق!!

حوراء:

النموذج الأول..

- يا واديًا غير ذي زرعٍ وهبت له
ماء الخلودِ وفمحا من فمِ الرزقِ

النموذج الثاني:

- آنستُ نارًا
لسانُ الطور كلّمني
وفي فمي جمرةٌ قد خانها نطقي

السؤال التاسع:

النخلة تاريخ الأرض في الأحساء، ولا تكاد تجد شاعرا أحسائيا لا يتلبس بالنخلة..

الأمثلة لديك كثيرة، حتى أن العناوين جاءت باسمها..

ولكن بمثال واحد فقط أريدك أن تختاريه هنا.

حوراء:

- تذكرْ أنّ لي قلبًا ترابيًا يربي النخل في جنبيه
يفرشُ ضفتيه عقيقَ تمرٍ خالصٍ بالحب
لا تغلقْ عنايته

السؤال العاشر:

أخيرا رغم تكاثر الأسئلة لدي ولو لا الإطالة لامتد اللقاء طويلًا.

من الشاعرة التي استوقفت عندها حوراء؟!

حوراء:

لعل الخنساء هي التي اتخذتها لي ملجأً.. لعل تشابه التجربة وتناسخ الألم..

ولذلك قلت:

- خنساؤك
استوفت جميع دموعها
من ْذا يكفُّ الحزنَ عن خنسائك؟!