”مهدي آل حمود“ يتحدى إعاقته ويصبح مدلكًا محترفا رغم فقدانه للبصر
أصر ”مهدي آل حمود“ على تحقيق حلمه في مجال التدليك، على الرغم من فقدانه للبصر بسبب إصابته بمرض العشى الليلي وفشل كلوي، إلا أنه لم يدع هذه الإعاقة تعيقه عن ممارسة عمله بمهارة واحترافية.
وفي حديثه مع ”جهات الأخبارية“، أكد ”آل حمود“ أنه دخل مجال التدليك بسبب حبه للمجال الطبي وعدم استطاعته دراسته، وأن مشاكل الظهر والرقبة هي الأكثر شيوعًا بين المرضى.
وتخصص ”آل حمود“ في قسم التاريخ بجامعة الملك سعود بالرياض، وحصل على دبلومين تربوي وفي العلوم الإنسانية واللغة الإنجليزية، وقام بحضور أكثر من 300 دورة مختلفة منها في الحاسب الآلي وتنمية الذات والمحاسبة.
ويهوى ”آل حمود“ تربية الطيور، حيث كان يملك حظائر في الطابق الأعلى، ولكنه تخلى عن أغلبها مؤخرًا لحاجته للمكان في تهيئة غرفة خاصة للتدليك، ويعتبر هذا الهواية تشمل أفراد عائلته وتربطهم علاقة قوية مع الحيوانات الأليفة.
ما هو مؤهلك العلمي؟
تخصصت تاريخ بجامعة الملك سعود بالرياض، وكنت أرغب بالخدمة الاجتماعية لولا اكتفاء العدد، وبعد التخرج درست دبلومين تربوي، وفي العلوم الإنسانية واللغة الإنجليزية، ولدي أكثر من 300 دورة مختلفة منها في الحاسب الآلي وتنمية الذات والمحاسبة وفي وقت الكورونا كان فرصة لاستغلال الوقت فكنت آخذ ثلاث دورات باليوم أحياناً.
حدثنا عن هواياتك، وكيف تقضي وقتك؟
اهوى تربية الطيور، وكانت لدي حظائر في الطابق الأعلى، لكن تخليت عن أغلبها مؤخراً، واكتفيت ببعض الأقفاص، لحاجتي للمكان في تهيئة غرفة خاصة للتدليك، وهذه الهواية تشمل أبي واخوتي تربطنا علاقة قوية مع الحيوانات الأليفة وتربيتها، كما أهوى الألعاب الرياضية ومنها الجودو الذي أفادني وقت تكسير الحظائر حيث أن أول ما يقومون بتعليمنا إياه تفادي السقطة على الرأس وكيفية حمايته، وحدث ان سقطت من الأعلى ولا شعورياً طبقت ما تعلمته ونجوت بفضل الله ومباديء هذه الرياضة التي تفيد الكفيف وتعطيه ثقة في تحركاته، كما أهوى قراءة القرءان، وأدوام على زيارة المقابر يومي الخميس والجمعة في القديح وتاروت حيث يرقد أبي وأختي وأخ لي لم تلده أمي كفيف وكنا لا نفارق بعضنا إلى ان اصابه ورم كبر ولم يعد يجدي معه العلاج، اشعر بالوفاء تجاههم وهو امر يحثنا عليه الدين.
ماذا قصدت بتشبيه القدمين ب ”ريموت كنترول الجسم“؟
كما للأجهزة الإلكترونية ريموت تحكم، فكذلك القدم بحكم أن النهايات العصبية لجميع أعضاء الجسم موجودة فيها، لذلك حين نضغط على المكان المخصص للعضو المتصل بها، فهذا يعني تحكمي فيه وقدرتي على تنشيطه.
متى تنصح باللجوء للتدليك؟
بحسب ما تعلمته في دراستي، مرة واحدة بالأسبوع، أو من مرتين إلى أربع بالشهر، وأنصح بها للوقاية من الأمراض، لأن الغالب على السلوك هذه الأيام هو قلة الحركة، والمساج يحرك الدورة الدموية ليصل الدم إلى جميع أعضاء الجسم.
ماذا عن إعاقتك البصرية؟
بالنسبة لموضوع كف البصر، فانا كفيف منذ الولادة، ولكن لدي نسبة بسيطة من الرؤية، لإصابتي بالعشى الليلي وهو التهاب في الشبكية الصبغي، حيث يقل فيه الإبصار إلى أن يتلاشى مع الوقت، لذلك درست الصف الأول والثاني الابتدائي مع المبصرين، ثم صرت أكتب سطراً وأترك آخر لأن نسبة النظر لدي نصف متر، وبعدها التحقت بمعهد النور في الصف الثالث والرابع، ثم عدت مع المبصرين مجددا في صفوف الدمج، إلى أن تخرجت والتحقت بالجامعة.
وفي عامي الجامعي الأخير أصابني فشل كلوي، ومع زراعة الكلى واستخدام أدوية المناعة القوية كالكورتيزون تلاشى بصري تمامًا، إلا أن ذلك لم يتسبب بإعاقتي، عشت حياتي ولا عمري حسست نفسي أو أهلي حسسوني بأني كفيف، ففي بيئتي كنا نقوم بكل شيء مع الوالد من كهرباء وسباكة ونجارة، وتعلمت القيام بأشياء قد لا يقوم بها المبصرون، ويلجؤون فيها إلى العمال إذا تعطلت.
وهل أثر ذلك على عملك؟
بعض من يأتي للمساج لا يكتشف أني كفيف، لأني أركز معه حين الحديث، وأتجه له برأسي، لا أخفضه أو أميل به، وعلمهم بذلك لا يمثل مشكلة لي، أو في نسبة الإقبال، وحصل معي موقف طريف منذ أيام عندما ذهبت لجلسة مساج منزلية لأحدهم، وعند رؤيته السائق يمسك بيدي، علم أني كفيف، فوقع الجوال من يده وانكسر.
وكيف تعايشت مع فقد البصر؟
لا أعتبر أنني كنت مبصرًا، بحكم أن مقدرتي على الرؤية كانت بسيطة جداً، لكن صادفت بعض الأشخاص مبصرين، ويروحون ويجيئون ويقودون سياراتهم، ثم يفقدون البصر، فهؤلاء قد يدخلون في صدمة نفسية، ويعزفون عن الخروج من منازلهم، وكنت أزورهم لتغيير نفسيتهم وأفكارهم، وأقول لهم أن فقد البصر ليس نهاية الحياة، ولا يعني أنهم صاروا عاجزين، بل يعيشون حياتهم بشكل اعتيادي، وكنت قبل فقد البصر كلياً أمارس حياتي بشكل عادي ألعب الكرة، وأقود ”السياكل“، وأقوم بكل شيء، فكان لدي حياة عادية وإلى هذا اليوم.
ماذا عن طموحاتك المستقبلية؟
كانت رغبتي هي دراسة الطب منذ الطفولة، والذي يتوفر للمكفوفين بالخارج، بينما غير مقبول لنا هنا التخصص العلمي، حتى إنني واثنين من زملائي في الصف الأول ثانوي رفعنا خطابًا للمدير ليوافق لنا على دراسة التخصص العلمي، ولم يتم لنا ذلك.
وسعيًا وراء حلمي في الطب، ولأني لم أرد التغرب للدراسة بالخارج، ولمعرفتي أنه حتى لو تم ذلك فمن سيوظفني هنا، بحكم أن مجال العمل للمكفوفين ضيق ومقتصر على التدريس أو السنترال بذلك الوقت، لذلك وجدت أن مجال ”المساج“ قريب من الأمور العلاجية، وكمكفوفين فأي شيء يعتمد على الإحساس واللمس مناسب لنا وسنبدع فيه فنتحسس العصب والعروق والأوردة، ونستشعر مكان الانسداد، ومنها بحثت في هذا المجال، وكانت هناك فرصة في إعلان عن دورة مساج لتدليك القدمين للمكفوفين بالرياض، وانتظرت سنتين أخريين حين أعلنوا عن دورة أخرى لكامل الجسم، والتي كانت منذ خمسة أشهر.
ما هي أجزاء الجسم الأكثر شكوى؟
مشاكل الظهر والرقبة، وربما يعود ذلك إلى وضعية الجلوس غير الصحيحة، وبالأخص لدى موظفي المكاتب وطريقة الشباب في إعادة كرسي السيارة للخلف، ما يتسبب بالضغط على الفقرات، لذلك أنصح باستقامة الكرسي، واختيار وسائد نوم مناسبة.
ما هي فوائد تدليك القدمين؟
للمساج فوائد عديدة في الوقاية من الأمراض؛ لتنشيطه الدورة الدموية، وإمداده الجسم بالطاقة للقيام بمختلف الأنشطة الحيوية، وتخفيف الضغوط النفسية، وتحسين المزاج، وتقليل احتمالية الإصابة بالاكتئاب، ويساعد على الاسترخاء وسهولة النوم والبعد عن الأرق، ويزيل آلام العضلات عند القيام بمجهود عضلي كبير فهو مفيد للرياضيين في هذه الناحية على وجه الخصوص، ويساهم في معالجة الصداع المزمن الناتج عن التوتر، وهذا أمر جربته مع أحد الأصدقاء حين لم تفد معه العمليات، ولم يكن يستطيع النوم إلا بحبوب، ومع المداومة على مساج القدمين فقط تحسنت حالته كثيراً، حيث إن التدليك يزيد من الخلايا الحمراء التي تنشط الجهاز المناعي، ويجعل الجلد مرناً، ويمنع ضمور العضلات الناتج عن الخمول الذي قد يحدث نتيجة التقدم بالعمر، أو طول مدة العلاج، أو العمليات الجراحية، ويحسن لون البشرة وملمسها، ويساعد في التخلص من الجلد الميت، ويجدد الأنسجة فيقلل من التجاعيد وآثار الحروق.
وما الفرق بين التدليك الوقائي والاستشفائي؟
في الوقائي أضغط على القدم في جميع المناطق لتنشيط كامل الجسم، وفي الاستشفائي يكون الضغط على جزء القدم الخاص بالعضو المتضرر كالمعدة مثلا، فيبرز له نتوء صغير كحبات السكر أو الملح، فيعمل على تذويبها بحركات دائرية عكس اتجاه الساعة، ويستمر بالضغط والتدليك تقريباً 10 دقائق، ما يسهم في تنشيط العضو، أما الوقائي فحتى لو لم تكن هناك مشكلة، فإن التنشيط بالمساج ووصول الدم للأعضاء يقيها من التعرض للأمراض، لذلك مما أنصح به إذا استطاع كل شخص توفير حوض أو ممشى من الحصى أو ”الكنكري“ في منزله، بحجم مترين، ومشى عليه يوميا مدة 5-10 دقائق فسيكون أمراً ممتازاً كمساج للقدمين، وهو ما بدأنا نشاهده الآن في الحدائق العامة والكورنيشات.
ما هي رسالتك للمجتمع من خلال تجربتك؟
رسالتي إلى المجتمع عامة، والكفيف خاصة أنه لا شيء صعب إذا أراد الإنسان القيام به ولديه ”الإرادة“ فإنه يهدم الصخر حتى لا يقف بطريقه، ومع الأسف بعض الشباب كفيف أو مبصر أقل عقبة تواجهه يتوقف ويقول ”لا أقدر“، فلو واجهتك عقبة فهناك طرق أخرى اتجه لها، وأهم شي تضع هدف لتصل له، ووضع الهدف لا يعني أن الطريق سيكون سلساً، والعقبة لا يفترض بها توقفنا بل تعطينا قوة أكبر.
بالنسبة لي لا أرى إعاقة مع الإرادة، بل قد تكون طريقاً للنجاح، كما لا أرى فقد البصر إعاقة، فهناك مبصرون أصحاء، ولا يحملون أي إعاقة إذ لديهم القدرة على فعل الشيء، ولكن لا يفعلون، لعدم وجود ”الإرادة“ وهذه هي الإعاقة حقاً، لذلك لا أرى أن الإعاقة هي بفقد إحدى الحواس، ورسالتي ”لا تخلي أي شيء يقف بطريقك“.
ما الخدمات التي تتمنى توفيرها للمكفوفين بشكل عام؟
ما أتمناه ليس كخدمة أو شيء يقدم، ولكن ”لا تخلي الكفيف يعتمد عليك اعتماد كلي“ البعض ما يقصر ويقصد خير ويلزّم على الكفيف مساعدته، ولكن الكفيف يستطيع عمل كل شيء والأفضل سؤاله عما إذا كان يحتاج، والأمر الآخر على سبيل المثال لا الحصر في الدوائر الحكومية أو البنك يتحدث الموظف مع المرافق، والذي قد يكون سائقاً أجنبياً ويسأله عن بطاقة أحوال الكفيف وختمه وغيرها من أمور، كأن الكفيف فاقد للفهم وليس البصر! كما أتمنى توسعة دائرة التوظيف، والتي تقتصر على التدريس والسنترال بالنسبة لنا، فلدينا معرفة بأمور كثيرة حتى في الكمبيوتر أنا مثلا درست وأعرف كيف استخدمه، الشركات ترفض توظيفنا قبل تجربة قدراتنا، تستطيع تجربتنا أسبوع مثلا وبدون راتب قبل أن تقرر عدم مقدرتنا، وهذا ما يدفع الكفيف إلى جهات أخرى، أو الجلوس بالمنزل وانتظار الضمان والتأهيل.
كيف تقرأ الأسئلة، وترد على بعضها كتابة في واتساب؟
لدينا برنامج ناطق في الجوال والكمبيوتر والتلفاز وكثير من الأجهزة الأخرى، وكنا سابقاً نشتريه بسعر الجهاز، أما الآن فيتوفر ضمن الجهاز، وكل ما علي الذهاب للإعدادات لإتاحة وصول ذوي الاحتياجات الخاصة.
كيف يقضي الكفيف وقته في عالم متطور، وكيف تتكيف مع التطورات بدون رؤيتها؟
الكفيف يرى التطورات ويمارسها كالشخص العادي، ففقدان البصر لا يعني عدم القدرة على عيش التطورات ومواكبتها، وسألني أحد الزملاء في صالة التمرن على حمل الحديد، كما أنني ألعب الجودو في نادي القادسية، كيف اشهد تغيرات جسدي بدون المرآة، فأجبته بحاسة اللمس، أيضاً نشارك بالمهرجانات والمعارض، وكانت لي مشاركة في إثراء قبل فترة كقائد جولة، وطلب مني صديقي وهو أحد الموظفين هناك إحضار العود والمشاركة بالعزف لكني رفضت، إذ افضل ذلك بمعية الاصدقاء فقط، وبالنسبة للألوان فنحن نراها كما لو كانت أمامنا بحسب الذاكرة، ومن يولد كفيف منذ البداية يتخيل اللون فقط، وسئلت مرة عن الأحلام فنحن نراها ونسمعها، أما الكفيف منذ الولادة فتتمثل له كصوت بلا صورة.
حدثنا أكثر عن تجربتك في اثراء؟
كانت من خلال برنامج ”حوار في الظلام“ ومدته ثلاثة أشهر وعشر أيام، ولكنه اقتصر على ثلث المدة بسبب الكورونا، وهو من التجارب المميزة حيث يقضي المبصر ساعة في مكان مظلم يحاول التعرف على الأشياء من خلال الحواس الأخرى ثم الحديث مع كفيف وقد لا يعرفون أنه كذلك ويكون قائد لهم في تلك المنطقة، يتعرفون على حياة الكفيف وشعوره، ويلمسون التعامل معه على نحو مختلف.